السبت، 26 أكتوبر 2013

كلمات حول الأنتظام السياسى الجماهيرى ( بفتح الغين دائما )

 

ليس هناك خطأ مطبعى فى العنوان فوضع كلمة( فتح الغين) بين قوسين - والتى سترد كثيرا فى هذا المقال )  اضافة لكلمات حول الأنتظام السياسى الجماهيرى هو استباق لسؤال سيتبادر للذهن من أول قراءة العنوان .. أى انتظام ؟ , وأية جماهير ؟  

 فالانتظام هو بداية نفى العشوائية  ( بديهيا ) والتنظم هو بداية عملية لبناء تنظيمات للاصطفافات المختلفة للجماعات كبنية لابديل عنها الا تفشى العمل العشوائى و الفوضوية وانعدام الفعل كطريقة جماعية لتحقيق أهداف كبرى لاتستطيع الأفراد أو مجرد الجماعات المنفصلة - هنا وهناك - أن تحققها ... ولكن هنا يتولد السؤال أية تنظيم وأية أهداف وهو السؤال تتعلق الاجابة عليه بشرط الأجابة على السؤال :   وأية جماهير ؟  

 الجماهير( سياسيا) اذن هى مجموعات كبيرة من الأفراد  تحتشد ( اذا مأحتشدت ) بدوافع مشتركة بهدف تحقيق مصالح مشتركة لنصل فى النهاية الى انها بطريق ام باخر تعبر عن مصالح طبقة من المجتمع  أو تحالف طبقى  ( هكذا فى أبسط تعبير دونما الدخول فى فذلكات أكاديمية قد لا أكون انا أهل لها , واعرف انه ينبغى لى ان ابتعد عن ذلك ) ...  

وأظن قارئى الذكى اننا اقتربنا كذلك من المفتاح الرئيسى وهو ( فتح الغين دائما ) .. وهو المقصد والانحياز وموضوع الحديث .... أى أن التنظم الذى أبتغيه هنا لجماهير هى جماهير الطبقات الشعبية المستغلة ( بفتح الغين دائما ) .. سأدخل فى الموضوع اذن ولعلنى كنت قد دخلت ...

ذلك اننا نعيش فى ظل نظام دولى تسيطر عليه قوى الامبريالية الدولية ومؤسساتها الدولية وهى تتصرف منذ سقوط الاتحاد السوفيتى على اساس استراتيجية  اعادة هيكلة النظام العالمى على اساس ادماج دول العالم الثانى  سابقا ( دول المنظومة الاشتراكية ) وكذا تعميق اندماج باقى دول العالم ( الثالث سابقا ) فى ماأطلق عليه فى العقد الأخيرمن القرن الماضى ب(النظام العالمى الجديد ) .. كل ذلك المسعى يتم عبر أدوات حرب مدججة - ليس باسلحة الدمار الشامل التى تحول ضرورة بقاء النوع المستغل والمستغل ( بفتح الغين فى الاولى وكسر الغين فى الثانية )  دون استخامها -  ولكن   بتفاهمات واشنظن واتفاقيات الجات وعبر المؤسسات المالية العالمية من منظمة التجارة العالمية  وصندوق النقد الدولى والبنك الدولى والى اجتماعات مجموعات  الدول الثمانية أو التسعة أو العشرون .. وعبر  استخدام منصات المنظمات الدولية التى تنضوى تحت شعار الأمم المتحدة و الاتحاد الأوربى فى تمرير وتكريس هذه السياسات الاستعمارية الجوهر .. 

ومن بين مأقتضته تلك السياسات كان العمل على اضعاف وتفكيك قدرات الدولة فى الجنوب الفقير عبر تعميق تبعيتها هيكليا للمؤسسات المالية الدولية بقدر مايتم اضعاف قدرتها على السيطرة او حتى التخطيط للاقتصاديات المحلية بل ووقوفها مكتوفة امام تفكيك هذه الاقتصاديات المحلية وايقاف اى امكانية لنموها وتطورها لحساب كبرى الأحتكارات الرأسمالية العالمية التى تسعى الى التحكم فى كافة الاسواق العالمية وتحويل دول العالم الى مجرد اسواق لتصريف منتجات هذه الاحتكارات واسواق رخيصة للعمالة عبر كسر الحواجز الجمركية لهذه الدول  ( وفقا لسيسات التكيف الهيكلى التى اعلنت فى التسعينيات عبر تفاهمات واشنطن واتفاقيات الجات ) .. ولعل مايفسر ضمن ذلك ايضا اطلاق استراتيجية الفوضى الخلاقة فى الشرق الاوسط والبدء فى استغلال ماأطلق عليه بالربيع العربى لوضع اهداف هذه الاستراتيجية موضع التنفيذ ..... 

وعلى هذا الأساس كان الرهان الامريكى على جماعات الأخوان المسلمين والسلفيين فى ظل استراتيجية البحث عن بديل  له قدرته على الظهور كتنظيم يمكن ان يقدم ايدلوجية يمينية فى جوهرها و شعبوية فى شكلها تقف امام الوعى المتصاعد للجماهير العربية  و يمتلك الادوات المالية والبشرية يستطيع الوصول للسلطة ويحشد الجماهير ويوجهها الى غير صالحها  فى اطار من الوعى المزيف  نابعا من الادراك ان هناك موجة تحررية للشعوب التى ضربتها تداعيات الأزمة المالية للمركز الرأسمالى العالمى 2008 اتية لاريب فيها وان الحكومات الحالية التابعة لن تستطيع البقاء والصمود امام تلك الموجة وانه لابد من افراغ هذه الموجة من محتواها الحقيقى الذى قد يودى بالبدء فى تفكيك اواصر التبعية للنظام الرأسمالى العالمى , ولما كانت اضعف تلك الحكومات وأقل الأنظمة قدرة على الاستمرار هى حكومات الشرق الاوسط البالية  ولأسباب جيوسياسية كثيرة تتعلق بان تلك المنطقة هى البقعة التى تلتقى عندها أوصال العالم وهى منطقة تلاقى ارادات ومصالح قوى المركز الرأسمالى  الغنية والقوى الناهضة التى تتصارع على الألتئام بالمركز الرأسمالى شمالا  بالدول التى تحكمها قوى التبعية للمركز الرأسمالى بالجنوب .. كان لابد من الاستعانة بتنظيم الاخوان المسلمين ودعمه عقب سقوط مبارك فى 25 يناير وبعملية استبدال رأس طبقية جرت بمعرفة جهاز الدولة وفى غيبة من النضج الذاتى الثورى للثوار ... 

 لانود ان نستفيض فى ذلك الجانب ولكننا ازاء ماهو أساس لجهد اخر يتم عبر دول ومؤسسات ومنظمات دولية اجتماعية وسياسية تبذل الجهد المصاحب - والذى يقوم بالتخديم على نفس الهدف - عبر العمل على اضعاف وتفكيك الدولة القومية فى الدول خارج المركز الرأسمالى عبر استخدام مسألة الترويج والتمويل والدعم لمنظمات المجتمع المدنى والسماح لها باختراق هذه الدول وفتح الثغرات فى جدرانها الهشة  وتقديمها كنموذج بديل عن الحق الاساسى  للطبقات المستغلة ( بفتح الغين ) فى تنظيم انفسهم عبر نقابات واتحادات واحزاب قوية تستهدف الدفاع عن مصالحها وهى الطبقات  التى تدفع هى غالبا الثمن الفادح لهذه السياسات التى يتم تطبيقها فى دول العالم الفقير والتى تقر عبر المؤسسات المالية التى تسيطر عليها وتديرها دول المركز الرأسمالى وفقا لمصالح احتكاراتها .. 

 بل وتمويل مؤسسات المجتمع المدنى المحلية التى تسارعت وتيرة تأسيسها ابتداء من تلك الحقبة اختراقا ليهبة الدول وكبريائها ( المستهدف كسرها ) والانفاق بسخاء على بعض الحركات والمنظمات وتوظيفها ( بقصد او بدون قصد ) لهدم وتفريغ عمليات التنظم الشعبى الطبيعى فى احزاب وتقابات واتحادات تعبر عن مصالح الطبقات المستغلة ( بفتح الغين دائما ) عبر اشعة جو من العدمية السياسية والفوضوية فى اوقات الحراك الشعبى وتارة اخرى عبر تقديم المنظمات الممولة من الخارج لمزايا مالية واعلامية تجتذب كثيرا من الشباب وتفسد بعض النشطاء بل وبعض المناضلين أحيانا .. فتخيب امال جماهيرهم التى اما ان تكف عن النشاط السياسى او يندمج البعض منها فى حركات فوضوية ( لم تنفضح مصادر تمويلها بعد )  أخرى تزايد على الجميع فتساهم أكثر فى خلط الأوراق و تأزيم الواقع السياسى الجماهيرى للطبقات الشعبية 

وفى  أحسن الأحوال قد يتم توجيه الدعم المالى والمساندة اللوجستية  لبعض جمعيات ومنظمات المجتمع المدنى للخدمة الأهلية ( عبر تقديم الفتات لبعض المنسحقين اجتماعيا ) أو منظمات الحقوق المدنية التى تقدم خدمات حقوقية وبعض الدعم فى بعض قضايا الرأى وخلافه .. لكنها تظل فى اطار مايعرقل قدرة جماهير الطبقات المستغلة ( بفتح الغين ) على تنظيم انفسها فى احزاب وتنظيمات واتحادات وروابط تستطيع بها انتزاع حقوقها الاجتماعية والسياسية دونما انتظار لفتات الطبقات المسيطرة التابعة - بحكم النشأة والتاريخ - للمركز الرأسمالى العالمى ... انه الاصرار أيضا على الا تنتزع هذه الجماهير يوما ما السلطة من يد هذه الطبقات المسيطرة وابقائها دائما فى دائرة متشابكة ومعقدة من تزييف الوعى والالهاء عن أولويات النضال الطبقى عبر تحكم رأس المال التابع فى الميديا الاعلامية المسموعة والمرئية وربما الرقمية مع بعض الأستثناءات هنا التى تتيح تقديم الفكر الساسى الجاد الذى يعبر عن وعى حقيقى بالمصالح الوطنية للطبقات المستغلة ( بفتح الغين ) .. وان كان البعض ضمن هؤلاء يعبرون فى جديتهم هذه عن نزق سياسى وثقافى يشى باشكالية اخرى وهى ان ذلك هو تثاقف وتأنق ومزايدة على الاخرين أكثر منه ايمانا  حقيقيا بمصالح تلك الطبقات وتلك مشكلة ترجع لتبنى العديد من ابناء الطبقات المتوسطة ومافوقها الافكار الاشتراكية والثورية المختلفة  - نتيجة تخطيهم الحواجز اللغوية والأصطلاحية التى تزخر بها الكتابات حول الأفكار الأشتراكية واستهوائهم لذلك - بينما هم بعيدون عن التواصل مع ارض الواقع الفعلى وفاقدى القدرة على التأثير فيه بحكم هذه الاشكالية فيظلون متحلقين فى هذه الفضاءات السياسية يرددون كلمات حفظوها عن ظهر قلب لماركس وانجلز ولينين وتروتسكى وجيفار وغيرهم تلك العبارات والمأثورات  التى تكسبهم مع الوقت شعورا بالأهمية والوجاهة فيكتفون بذلك طوال الوقت عوضا عن ميدان النضال الحقيقى فى سبيل كسر وتفكيك عوامل تزييف الوعى وكشفها وفضحها وبالتالى ازاحة ركام الوعى المزيف عن الوعى الطبقى الحقيقى الذى يساعد الطبقات المستغلة (طبعا بفنح الغين ) على تنظيم نفسها تعبيرا عن ترقى هذا الوعى .. بعض هؤلاء أما أصوليون يساريون ( شأنهم فى التعامل مع نصوص كتابات الزعماء والفلاسفة والكتاب الاشتراكيين هو نفس شأن الأصولييون الدينيون من سلفييين وأخوان فى تعاملهم مع كتب البخارى وابن تيمية وسيد قطب والبنا ) لا اجتهاد ولا ابداع ولاجدل وتفاعل مع واقع صفته هى التغير والنسبية وعدم الثبات والحركة .. وبعضهم يمارس هذ باعتباره مودلا يرتديه كصورة لجيفارا أو لشعار المنجل والمطرقة بينما هو لم يسأل نفسه ماهو موضع المنجل والمطرقة من عالمنا اليوم وفى واقعنا الان ؟ وبين ذاك وذلك تبدأ أحيانا حالة انشغال بمعارك ومزايدات يغطى ضجيجها على جهود اولئك المؤمنين بمصالح الطبقات الشعبية ايمانا حقيقيا ومستعدين للتضحية من أجلها ويناضلون فعلا نضالا حقيقيا من اجل تنظيم جماهير تلك الطبقات ورفع مستوى وعيها ولكنهم يعانون من نقص الادوات التى تمكنهم من المزيد من النفاذ للواقع بفعل مايعوق العمل السياسى الشعبى بوجه عام ..

وهذا ينقلنا الى  أن ما نراه من تبنى للحريات السياسية والمدنية للنظام الرأسمالى العالمى وتوابعه فى بلادنا  ... هو نوع من انواع المصادرة فى حقيقة الامر ( عبر تدليس سياسى كثرت شواهده ) على  الصراع الحقيقى  وحصره فى مباراة سياسية تدار عبر المؤسسات السياسية والقانونية للدولة بين مجموعة من الاشكال السياسية المنظمة لرجال هذه الطبقة ( نخب سياسية ومجتمعية ) تتصارع فيما بينها على كراسى الحكم ولامانع من تداول السلطات بينها بل وتوزيع السلطات والصلاحيات  ان امكن فى مؤسسات الدولة ( فى بعض انظمة مايسمى بالرفاه الاجتماعى ) .. ودفع جماهير الطبقات المستغلة ( بفتح الغين ) الى الهامش السياسى لتظل فى بعضها مقسمة بين احزاب هامشية صنعت لتضليل وتزييف الوعى عبر خطاب سياسى يرن بكلمات جوفاء عن العدالة الاجتماعية لزوما لمقتضيات التدليس على الواقع الاجتماعى المحتقن واحتواء لتصاعد الطابع الاحتجاجى للجماهير بما فيها قواعد تلك الاحزاب احيانا   ( ولا أظن ان الاحزاب المكونة للحكومة المصرية الحالية بعيدا عن هذا المعنى )  وتظل أيضا بعض الجماهير مقسمة احيانا بين  حركات سياسية فوضوية الطابع احيانا ومحدودة الاهداف احيانا اخرى ومصطنعة وممولة فى احيان كثيرة لأجل اهداف تفكيكية تخدم مصالح تصب فى نفس الفكرة .. فكرة عرقلة الأنتظام فالتنظم السياسى لتلك الجماهير فى احزاب حقيقية تعبر بشكل حقيقى عن اهداف تلك الطبقات موضوع الحديث .. وتارة اخرى وراء ائتلافات لاتعبر عن شيئا فى ارض الواقع وتضيف لعملية تزييف الوعى واعاقة عملية التنظم الصحيحة التى يجب ان يحمل لواءها ويناضل من اجلها هؤلاء المناضلون الذين يحملون وعى الطبقات المستغلة ( بفتح الغين لاخر مرة ) فى رؤوسهم وفى ايديهم يحملون رايات الأمل فى عملية تنظيم صحيح لتلك الاصطفافات التنظيمية الهزيلة والغير منضبطة .. عبر غرس تلك الرايات فى واقع وحياة تلك الطبقات القليلة الحظ  ...

الثلاثاء، 22 أكتوبر 2013

كهنة الدولة المصرية ودراويشها

بادئ ذى بدء انه كان ضروريا ان يصطف هذا الاصطفاف  السياسى الواسع من القوى الشعبية والقوى الليبرالية فى 30-6-2013   ولاضير ان يتواجد وقتها فى الميادين والشوارع كهنة الدولة كبار موظفى الدولة (  كبار خدم الدولة من البيروقراط والتكنوقراط ) ورجال الأعمال من شاربوا حليب الدولة ورضاع ثرواتها ... 

 وكذلك تحرك دراويش الدولة اولئك الذين لايحركون ساكنا فى اوقات الصراعات السياسية ولا يشاركون فى الاستحقاقات السياسية الا لمساندة رجال الدولة ( الحزب الحاكم بدأ من الوفد القديم - مرورا بالاتحاد الاشتراكى فحزب مصر العربى فالحزب الوطنى الديمقراطى .. وهلم جر ..)   

واولئك الدراويش هم عمد ومشايخ القرى وكبار العائلات من كبار الملاك الزراعيين ومن والاهم ... 

لاضير فى ان يتواجد كل هؤلاء فى 30 يونيو فأخطاء  الأخوان المسلمين بل وجرائمهم فى حق الوطن كانت كثيرة وقاتلة وكان حكمهم بالفعل يهدد الأمن القومى المصرى ويعرض البلاد لويلات خطر المجاعات والحروب الاهلية والانهيار الادارى العام لأركان الدولة المصرية ...  

والاخوان لم يدركوا .. ( وهذه خطيئتهم الكبرى التى ولدت كل الأخطاء من بعد ) انهم جاءوا ضمن صفقة ( استبدال  رأس طبقى ) أعقبت انتفاضة 25 يناير الشعبية وان هذه الصفقة كان كهنة الدولة جزء اساسى من صياغتها التى تمت عبر اطراف وأرادات أبرزها أرادة المركز الرأسمالى الدولى بقيادة الولايات المتحدة الامريكية ...  

ولأن طرفا أساسيا من هذه الصفقة هم كهنة الدولة المصرية ( كبار موظفى الدولة من قادة الجيش والتكنوقراط  وكبار رجال الاعمال ) وكانت بدايات حكم الاخوان تشهد ذلك التحالف ( كان الجنزورى رئيسا للوزراء ورجال امانة سياسات الحزب الوطنى وزراء ونواب وزراء بالاضافة لاستقرار أوضاع ومميزات المجلس العسكرى الوظيفية والسياسية )  .. 

لذلك كانت خطيئة الاخوان الكبرى هى مناصبة العداء للكهنة وازاحة رموزهم واحدا بعد الاخر .. وكان مفهوم ان يتم ذلك فى اطار السعى لصنع كهنة جدد وكهانة جديدة للدولة ليفوز بها رضاع الاخوان وحلفائهم من رجال الاعمال ( الذين ينتمون لنفس التحالف الطبقى لحكم مبارك ) .. ويستحوزون على رضاعة أكبر حصة من الحليب السياسى والاقتصادى والاجتماعى للدولة المصرية .. ولكنهم أقدموا على الخطوة الأفدح وهى البدء فى اعادة تشكيل الدولة المصرية على أسس جديدة تضمن لهم الانفراد التام والنهائى بكافة اركان الدولة واجهزتها ...  والتكريس لدولة جديدة غير التى أسسها وأقام جدرانها محمد على  , وفرشها ونسقها وجددها جمال عبد الناصر ... 

وكان هذا هاجسهم وجل عملهم الاساسى دون الالتفات للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التى اخرجت الكتلة الأساسية من الثائرين فى يناير 2011 مما عمقها وعقدها أكثر ...

وبالتالى تواجد الجميع فى الميادين والشوارع يوم 30 يونيو .. بل نستطيع القول مجازا ان كل الاطياف السياسية والمجتمعية المصرية قد نزلت الى الميادين والشوارع المصرية باستثناء اولئك المنضوون تحت لواء تيار الاسلام السياسى  ...

 وكانت 30-6-2013 انتفاضة شعبية ثانية ( ناهيك عن انها كانت تقريبا بنفس عيوب يناير 2011  اذ أن القوى الثورية لم تكن مهيكلة  أو صاحبة مشروع سياسى ثورى محدد للتغيير الحقيقى  يتجاوز الشعارات العامة والهتافات الاحتجاجية  ) ولايقلل تواجد كهنة الدولة ودراويشها من شرف هذه الانتفاضة شيئا اذا انه لم يكن منوطا بأحد ان يحدد من يتواجد فى الشوارع والميادين ومن لايتواجد ...     

ولكن هناك دلائل لابد من الاشارة اليها فى هذا الصدد :   

اولا : انه لم تترسخ جيدا . لدى الجموع الثائرة فى 25 يناير و30 يونيو المفاهيم حول الفارق بين الرئيس والنظام (فاسقاط الرئيس كان معناه عند الأكثرية منهم ان النظام قد سقط وانتهت مهمتنا )  وكذلك الفارق بين السلطة والنظام بمعناه الشامل ومدلولاته الطبقية والسياسية والاجتماعية ( فمجرد تعيين وزارة عصام شرف الذى كان متواجدا بميدان التحرير لظروف غير ثورية ارضى هؤلاء .. )  

وهذا الوضع ظل قائما مع اسقاط محمد مرسى فى 30 يونيو ( فبمجرد اعلان عزل مرسى  ورجاله انصرف الجميع الى الاحتفال  وتركوا مهمة استبدال السلطة الجديدة وتعيينها للفريق السيسى .. وهذا طبيعى جدا فى ظل انه فى المرتين كان هناك ثوار ولكن لم يكن هناك تنظيم ثورى واعى وقادر على احداث التغيير الحقيقى الذى يتمناه الشعب ..  

ثانيا : انه على الرغم من حالة الزخم التاريخى لانتفاضت الشعب المصرى المجيدة فى 18 و19 يناير 1977 و25 يناير 2011 و30 يونيو 2013 وبالرغم من سقوط حواجز الخوف لدى الاجيال الجديدة وتوفر الامكانات الحديثة فى الحركة الجماهيرية الا ان هناك مفاهيم لم تترسخ بعد مفاهيم ضرورية لتحديد الفوارق  بين الدولة ( ذلك الجهاز الوظيفى  والرمز والشعار و محتوى النظام السياسى والاجتماعى ) وبين الوطن ( ذلك  العمق والموضع التاريخى ) .. ففى الوعى الشعبوى التراثى والتاريخى ايضا لايزال هناك خلط بين النظام والدولة والدولة والوطن .. ممايسهل الارض لكهنة الدولة  ان يلعبوا لعبتهم القديمة فى تكريس سيطرتهم على الاوضاع وتفعيل الاستبدال الذى يتم الان داخل لرأس جديد الطبقات المسيطرة ..

وللحق فالعامل الرئيسى فى هذا الخلط المعطل لأكساب الطبقات المستغلة ( بفتح حرف الغين ) وعيها اللازم لتغيير هذا الوضع .. هو راجع لقدم وعمق الدولة المصرية المركزية باعتبارها ليست فقط وفق المفاهيم الماركسية اللينينية التقليدية اداة للقمع وجهازا لاحتواء الصراع الطبقى .. ولكنها أيضا كانت عبر تاريخها مصدرا للأستحواز والملكية  و خلق الثروة ومصنعا للاستبدال الطبقى عبر عمليات الترقى الاجتماعى التى تباشرها جنبا الى جنب مع القمع والاحتواء المركزى .. ولنراجع التاريخ الحديث على الاقل ونقف امام سنوات 1811 مذبحة المماليك و 1812 ومصادرة التزاماتهم وجميع اراضى الملتزمين وبدأ توزيع الملكيات و وبداية خلق الطبقة الرأسمالية المصرية بقرار من الدولة ...  

تقدست الدولة كقبلة للثروة فخلقت كهانها وفرضتهم عبر كل التواريخ وكانت معبدهم الذى لايفارقون لكسب الثروة وتملك الاراضى والعقارات والاموال والترقى الاجتماعى ... فلماذا اذن لايقاتلون من اجل ابقاء تلك القبلة على حالها والبقاء والحفاظ على كهانتهم لها وليجعلونها ايضا قبلة مقدسة يدور حولها من خارجها دراويشها  من ابناء الطبقات الكادحة من العمال والفلاحين واجراء المدن والريف وكل من يبيع قوة عمله وكذا الشرائح الوسطى من المجتمع كجزء من أكبر عملية تزييف للوعى الطبقى عبر التاريخ المصرى ..  

ثالثا : ان مايصطلح عليه بالقوى الثورية فى 25 يناير و30 يونيو ( وبدون الدخول فى اختبار للمعنى او التدقيق فيه ) يفتقر البعض منهم للوعى الطبقى وبعضهم هم من ضحايا التباس المفاهيم حول حقيقة فكرة الثورة والعمل الثورى من حيث كونه عمل منظم تراكمى مخطط لاحداث الثورة التى تعنى ببساطة تغيير نظام بمعناه الشامل واقامة نظام بديل ... ونحن لانستطيع ان ننكر بالمرة دور وسائل التكنولوجيا الحديثة وتفاعلهم معها من وسائل اتصال سهلت لهم التنظيم والالتقاء فى الميادين ومن فضائيات ووسائل رقمية للمعلومات والمعرفة .. الا ان كل ذلك لم يوفر بعد التراكم المعرفى الذى يؤدى الى امتلاك ادوات معرفية للتحليل وتكوين ثقافة الرؤيا  المجتمعية الشاملة والوعى الطبقى  والاهم من ذلك كشف ومقاومة تزييف الوعى ... كل ذلك لأن هذه الوسائل الحديثة على اهميتها فأن الكثير من محتواها يستهدف تزييف الوعى ولايستهدف اكساب الطبقات وعيها ..

رابعا : هناك مجموعات سياسية وشعبية ووظيفية  وقفت موقف الرفض للمشاركة  فى انتفاضة 25 يناير من منطلقين المنطلق الاول كان منطلق المصلحة مع حكم مبارك وبالتأكيد كان هؤلاء أغلبهم من كبار موظفى الدولة ورجال الأعمال وقيادات وأعضاء الحزب الوطنى المنحل . والمنطلق الثانى كان الخوف من انهيار الدولة ( اذا كان الحاكم فى نظرهم هو عماد الدولة ان سقط سقطت ).. وكانت هذه المجموعات طوال الوقت ( وحتى بعد سقوط مبارك وحل الحزب الوطنى  ) تحاول لملمة صفوفها على استحياء حتى جاءت انتخابات الرئاسة 2012  فوقفت وراء الفريق شفيق ... ثم توارت عن الانظار بعد ذلك الى ان ظهرت بقوة فى يونيو 2013 ...وهؤلاء هم الكتلة الغالبة من كهنة الدولة المركزية وسدنتها وامتداد لخدامها الأوفياء لحليب الدولة عبر تاريخها الغارق فى القدم والعمق .. هم امتداد طبيعى لهؤلاء الذين توزعت عليهم العهد والعطايا من محمد على واسماعيل وسعيد وتوفيق وفاروق فى شكل اطيان واملاك واسهم فى بنوك وشركات وخلافه .. من امثال الشريف والهوارى والجيار والاتربى ومحمود والبدراوى والفقى وابوسحلى واباظة ورشوان وسلطان وقطاوى واورلو وسوارس وغيرهم ممن كانت الدولة مصدرا  لثرواتهم وامتدادهم من بعض ضباط يوليو  الذين تمكنوا فى الفترة الناصرية من استغلال النفوذ والترقى الاجتماعى  والذين ساهموا هم ومديرى ورؤساء شركات الدولة والقطاع العام من تكوين ثروات غير مشروعة (  وهذا النوع كان رضاعة غير مشروعة من حليب الدولة ) كل هؤلاء انضموا فى الفترة الساداتية الى ملوك قطاع المقاولات والمهربين الى الطبقة التى ارتبطت بالتحول الاجتماعى الذى تم فى اواسط السبعينيات والذى كان فى حقيقته عملية استبدال طبقى تمت عبر الدولة ترقى فيها كل هؤلاء بالاضافة لشرائح كبار الملاك الزراعيين الذين افلتوا بأموالهم من التأميمات والأصلاح الزراعى الى الخارج واعادهم السادات ومبارك من بعده لتكتمل مسيرة كهنة الدولة والمستظلين بظلها والمطبقين باسنانهم على أثدائها ... احفاد خونة عرابى الذين خذلوه ووقفوا مع الدولة التى اختارت تأكيد التبعية للمستعمر البريطانى وتكريسها رسميا فى 1881.. هؤلاء منهم من كان فاعلا فى 30 يونيو ومنهم من كان ينتظر ويحرك رجاله فى الشوارع والميادين .. ( توفيق عكاشه  ووزراء سايقين وقيادات فى الحزب الحاكم المنحل الاسبق كانت موجوده وفاعلة كمثال لذلك ) .. 

خامسا: هناك كتلة شعبية كبيرة  وغالبيتها فى الريف المصرى ( الذى كدنا لانلمحه فى ميادين يناير 2011)  وجزء منها فى المدن من أبناء الشرائح العليا للطبقة الوسطى وبعض الحرفيين  الذين لم يكونوا مشاركين أصلا فى انتفاضة يناير منهم من كان مرحبا بها ولكنه غير متحمس وخائف على مصير الدولة ومنهم من كان يرفضها لنفس المنطق ايضا .. هؤلاء  قد أصطلح عليهم أحيانا بحزب الكنبة .. وأغلبهم كان يعلن استهجانه للفعاليات التى كانت تنظم فى عهد المجلس العسكرى وكذا كانوا يعبرون عن استهجانهم للوقفات الاحتجاجية للشباب والمطالب وما أطلق عليه وقتها بالمطالب الفئوية  ... هؤلاء كانوا دائما يعبرون عن استهجانهم هذا للمتظاهرين فى المدن اثناء فترة المجلس العسكرى بل وفى الاشهر الاولى من حكم محمد مرسى وحتى الأعلان الدستورى واقالة الجنزورى ثم طنطاوى وعنان  ... هؤلاء هم الكتلة التى توزعت اصواتها  فى انتخابات الرئاسة ما بين محمد مرسى  ( وخاصة الجزء الريفى  من هذه الكتلة (ضحايا الوعى المزيف ) فيماعدا كبار ومتوسطى الملاك الزراعيين والعمد والمشايخ الذين توزعت اصواتهم بين احمد شفيق وعمرو موسى ثم احمد شفيق فى الجولة الثانية  ) وفى المدن كان احمد شفيق يحصد غالب أصوات تلك الكتلة التى لم تكن قليلة العدد وهى كتلة دراويش الدولة  (من حيث الفاعلية السياسية ) هؤلاء هم الذين لم يكن يعنيهم سوى وهم الأستقرار . استقرار الدولة التى تحميهم من خوف ومن قلق .. بأحساس ووعى امتد عبر تاريخ طويل للدولة التى كانت مصدر الحياة ثم كانت مصدر توزيع الأملاك والثروة فى عهد محمد على وأسرته ثم مصدر الامن والمكانة الاجتماعية بعد يوليو 52 ثم الدولة التى انتصرت فى حرب اكتوبر وأصبحت تعطى فرص التخطى والحراك الاجتماعى  للبعض والبطش للبعض الاخر  ابان حكم السادات الى الدولة التى تملك الامن والخوف ايضا عبر العنف البوليسى وتملك فرص التوظف و الترقى الاجتماعى عبر المحسوبية والفساد فى عهد مبارك  ... هؤلاء أعطوا أصواتهم وعادوا الى منازلهم فقد فعلوا ماعليهم بمجرد التصويت والبقية على الحاكم الذى سينتخب ... كما ان هناك اعداد من هذه الكتلة المشار اليها لم تشارك فى انتخابات الرئاسة ايضا  ( مع ملاحظة اننا هنا لانتكلم عن الذين اعطوا اصواتهم لحمدين صباحى واخرين )  ...هؤلاء خرجوا بكثافة وتم حشد البعض منهم من القرى الى الميادين فى 30 يونيو بل وان بعض رجال الاعمال تولوا عمليات النقل لذويهم وعمالهم وعملائهم وحتى شراء الاعلام وصور الفريق السيسى كان بعضها منظما ومرتبا وسط هذه الكتلة .. وكان العمد والمشايخ فى الريف ومعهم كبار الملاك الزراعيين يقومون بنقل بعض ابناء القرى الى اقرب ميادين المدن الريفية .. . 

كل هذا لم يكن ليقلل من قيمة انتفاضة 30 يونيو .. التى كان فى القلب منها الثوار اصحاب المصلحة فى التغيير الحقيقى من القوى  والحركات والتنظيمات السياسية (سواء تلك التى انضوت تحت لواء جبهة الانقاذ ام غيرها ) والنقابات المعبرة عن العمال والفلاحين والمستخدمين والطبقات الوسطى وغيرها  والتى كان تأثيرها على متسع حشدها لم يكن مؤثرا التأثير الذى يجعلنا أن نعتبرها قيادة لكل ماحدث فى 30 يونيو .. وكان هناك الحشود الهائلة المؤثرة من شباب فقراء المدن وشباب الطبقة الوسطى بشرائحها  وكذا حشود النساء الذى كان له وجود لافت سواء فى يناير او يونيو .. وان كان اللافت فى يونيو ان ربات البيوت قد نزلن بكثافة فى كل الميادين ... ولكن كل ذلك هؤلاء لم يكن لديهم القدرة والأداة لاسقاط حكم الاخوان واحياء اهداف 25 يناير .. فكان للمدافعين عن الدولة من داخل معبد الدولة (الجيش   ومعه الشرطة ) موقفهما الحاسم   وهذا مايشجع كهنة الدولة ودراويشها ومعها قناعات اخرى من بعض المثقفين والسياسيين من خارج معبد الدولة  الان على المناداة بضرورة تولى السيسى للحكم وقبل ان يتضح للرجل اى ملامح لأى مشروع سياسى او وطنى معين   .. ولكن السؤال هو لصالح أى الخيارات الوطنية والاحتمالات المستقبلية  ؟  

 من المؤكد ان 30 يونيو قد ازاحت كابوسا رهيبا هو كابوس الاخوان المسلمين واسقطت حكمهم بل وفرصهم للحكم مرة اخرى ولكن فلنكن صرحاء .. ايضا اذا كانت 30 يونيو قد جاءت لصالح مرحلة تتم فيها لملمة مؤسسات الدولة وجهازها ويتم اصلاح العطب الذى اصاب الأمن القومى ( بمفهومه التقليدى الذى يعنى حماية حدود الاراضى المصرية وعمقها الداخلى ) .. ولكن الأصطفاف السياسى الحالى ليس هو اصطفاف تحقيق امانى ومطالب الشعب المصرى فى النهوض بالدولة الوطنية الديمقراطية .. دولة الاستقلال الوطنى ( بمعناه الذى يعنى التحرر من أسر التبعية للمركز الرأسمالى العالمى ) دولة العدالة الاجتماعية والتقدم والمشاركة الشعبية والحداثة بغض النظر عن ان هناك دستورا من المنتظر والمأمول ان تتم صياغته ليعبر عن طريقة جديدة لادارة المؤسسات السياسية فى اطار دولة مدنية ديمقراطية .. ولكنه ايضا يحتاج الى النص على ضمانات اجتماعية للعمال وكل من يؤجر قوة عمله فى المدن والريف  والفلاحين وفقراء الريف والمدن  والشباب والمرأة وان ينص على ضمانات للحق فى التعليم الجيد والرعاية الصحية وفقا لمعايير الجودة وحد مقبول للعدالة الاجتماعية بالنسبة للاجور والضرائب والتوزع الجغرافى لخدمات الدولة  على انحائها بحد مقبول من التساوى .. قد تكون موضعا لخلاف داخل الاصطفاف المكون للجنة الخمسين .. 

وهكذا فالخوف كل الخوف من ان نكون قد أصبحنا امام قطف جديد لثمار الانتفاضة الثانية لغير صالح الشرائح والطبقات التى شكلت صلب الفعل الثورى فى 25 يناير 2011 وكذا 30 يونيو 2013 ...  فيما لو وجد راضعى حليب الدولة وثرواتها من كهنتها فى وصول السيسى للحكم تدفق لهم من حصان طروادة الى حيث يتمكنون من احكام سيطرة الرأسمالية الكمبرودورية على مؤسسات الحكم والدولة ... ولا عزاء عندئذ لدراويش الدولة الملتبسى الوعى أو مزيفيه  وقتها ... وعندئذ .. على القوى الشعبية ان تعى الدرس وان تنظم صفوفها خلف قيادة تعبر بحق عن مصالحه ولاتزيف وعيها وتدلس عليها مثلما فعلت تيارات الاسلام السياسى وستفعل ان تكررت الفرصة قيادة تحمل مشروعا وطنيا ديمقراطيا ثوريا .. تكمل به حلقات الثورة المصرية المتعثرة .. صاحبة الهمة بعض الوقت والمتعثرة بعض الاوقات ...قيادة تؤمن بالعمل الثورى المنظم المرتب التراكمى لانضاج فعل ثورى مصاحب لمشروعه الذى يحمل فى طياته معالما محددة لتغيير حقيقى عبر عمل جاد وحقيقى يكسب الطبقات والشرائح الاجتماعية صاحبة المصلحة الأكيدة فى التغيير الحقيقى  وعيها الطبقى وينظم صفوفها كنوع من الارتقاء بهذا الوعى لانتزاع هذا التغيير 

 

الخميس، 17 أكتوبر 2013

معاينة عبر مشهدين

بالنظر الى أطراف وعناصر المشهد للأيام التالية ليوم 25 يناير .. سنجد ان هناك كتلة أساسية من شباب و فئات الشعب المصرى المنضغطة اجتماعيا ( بدأ بماسمى فقراء المدن حتى الشرائح العريضة من الطبقة المتوسطة وشبابها العاطل ) وذلك عبر عقود بدأت مع ظهور تداعيات ونتائج السياسات الرأسمالية التى بدأت الدولة فى انتهاجها منذ اواخر السبعينيات وتصاعدت فى التسعينيات والسنوات التى تلت بداية القرن التالى مع ظهور السياسات النيوليبرالية وتعممق أزمة النظام الرأسمالى العالمى ..
وهنااك ايضا شباب الشريحة العليا من الطبقات المتوسطة المثقف الذى انتفض احتجاجا على غياب الديمقراطية وتركز القبضة البوليسية للدولة لعقود طويلة ( والذى كان قد توالت احباطاته من انسداد الافق السياسى للمجتمع ومن ناحية اخرى تململه من جمود مايسمى بالنخب السياسية .) .. .. وهؤلاء جميعا نزلو الى الميادين والشوارع بدأ من 25 يناير على موجتين بشريتين .. الموجة الأولى كانت للشباب والمثقفين وأبناء العواصم .. ثم انضمت اليهم فى الأيام التالية جموع العمال والموظفين وربات البيوت فى كافة العواصم  وكافة المدن الريفية والصناعية بكافة ارجاء البلاد .. وكان مع هؤلاء تنظيمات وحركات سياسية وطنية  رافضة للأوضاع الاجتماعية والسياسية ولكنها لم تكن لديها أية رؤية تزيد على مجرد رفضها لهذه الاوضاع ولا أى تصور سياسى يتخطى الأجتجاج  والتظاهر وأعلان الرفض الذى تصاعد فى الأيام التالية الى المطالبة بأسقاط النظام ... وصدعت الحناجر فى الميادين بأمنيات الشعب المصرى فى ( عيش - حرية - عدالة اجتماعية )
 تلك هى الأطراف الأساسية ( على الارض الاجتماعية ) التى بدأت الأنتفاض فى 25 يناير ..
وشهد يوم 28 يناير النزول الفعلى لجماعة الأخوان المسلمون وبعدها التنظيمات السلفية .. فأضيف للمشهد عنصرا  سرعان ماتحول بعد ذلك الى طرف التناقض السياسى الرئيبسى فى مشهد 30 يونيو 2013  ..
 وكان الطرف الثانى هو السلطة ( التى على رئسها كان مبارك ) وأجهزة الدولة البوليسية وتنظيمها السياسى المتداخل فى الدولة تداخلا يجعل رجال الحزب هم رجال الدولة وموظفى الدولة هم رجال الحزب .. وهذا التداخل هو الوضع الموروث بدأ من الأتحاد الاشتراكى العربى مرورا بحزب السادات الأول ( حزب مصر العربى الأشتراكى ) وحتى الحزب الوطنى  ...
 وبالتالى فالحديث عن جهاز الدولة باعتباره كان جهازا منفصلا عن الصراع الاجتماعى السياسى يصبح حديثا يفتقر الى الدقة والعمق فى ان واحد .. وأعتقد ان هذا مرتبط بمسألة هامة تخص وضع الدولة فى مصر  المرتبط بظروف تاريخية يطول شرحها الان والذى يجعله يتخطى وضعية جهاز الدولة بالمعنى الكلاسيكى الى ابعاد أوسع تتعلق بماتم تكريسه عبر قرون من علاقة بين المواطن والدولة فى مصر .. تخطت ماهو مدون فى الدساتير والقوانين الوضعية الى ماهو موروث من ثقافة ترى الدولة دائما فى وضع أبوى توفر ومهما كانت لاتوفر فى نظر الكثيرين هاجس الأمن والخوف من الانكشاف لمصائر غير موثوق بها ( وهذه ثقافة مازالت الى حد كبير موجودة فى القطاعات الريفية من سكان مصر وخاصة متوسطى وكبار ملاك الأراضى الزراعية وكبار العائلات الريفية .. وكذا بين بعض الشرائح العليا من الطبقات المتوسطة ناهيك عن الطبقات الرأسمالية الكبيرة والمسيطرة فعلا على الوضاع الاجتماعية والاقتصادية حتى اللحظة التى نعيشها الان والتى لاتخالفها كثيرا - وحتى الان - سياسات السلطة الحاكمة الحالية رغم انها نتاج 23 يونيو ..
كان المجلس العسكرى هو قيادة الجيش ( أحد أجهزة الدولة المصرية وذراعها فى الدفاع عن الامن القومى ) كان هو ذلك الجزء الذى اتخذ موقفا فى 25 يناير .. لصالح الدولة ( التى هى أيضا كجهاز وظيفى أداة تسلط الطبقات المسيطرة اجتماعيا  ) والجيش من الناحية الاجتماعية هو شريحة طولية للتركيبة الاجتماعية تحتوى غالب طبقات وشرائح الشعب المصرى وهو بالتالى ليس طبقة ولكنه أيضا هو ركن أساسى من أركان الدولة وقيادته هى جزء من الجهاز القيادى للدولة ...
 وبالتالى كان الوضع لايحتمل الا الألتفاف على انتفاضة الشعب المصرى واحتوائها وتفريغها من مضونها الأشد خطرا وهو اسقاط سيطرة الطبقات الحاكمة .. فكان الحل هو أستبدال الرؤوس السياسية وكبار موظفى هذه الطبقات برؤوس سياسية جديدة  وموظفين كبار جدد ..
 كانت الدولة حاضرة فى 25 يناير .. ولكنها كانت تعانى معناة الدولة فى الوضع الثورى .. فقد انقسمت مابين الشرطة وكبار موظفيها السياسيون والأداريون  الذين وقفوا الى جوار رأس النظام  .. ومابين الجيش الذى لم تكن قيادته لتستطيع المغامرة والمقامرة بكامل النظام ( وتعبير النظام هنا لايعنى التعبير الشعبوى المنسحب على رئيس الجمهورية وحكومته وحزبه فقط  ... النظام هنا يعنى النظام السياسى والاجتماعى والاقتصادى للدولة ) وهذا ماكانت تعيه قيادة الجيش جيدا ... وتصرفت على أساسه بمعنى التضحية بالشكل السياسى لحساب المضون الفعلى للنظام . ناهيك عن ان المجلس العسكرى نفسه لم يجد ان بقائه هو على رأس الدولة كبديل للرأس التى أسقطها (مبارك وكبار معاونيه ) سيكون له اى نوع من انواع الشرعية او القبول لا من جهة شباب الثوار ولامن جانب النخب السياسية وايضا كان غير مرحب به من الدوائر الامريكية والغربية ..
 فقد كان على  الجانب الاخر فى المحيط الخارجى  مفكرى واستراتيجيو المركز الرأسمالى العالمى قد بدأو من مدة  يتحدثون عن وسائل للخروج من ازمات السياسات النيوليبرالية التى تركت أثرا عميقا على الشرق الادنى .. وبدأو يطرحون افكارا حول ضرورة احتواء ودعم بعض جماعات الاسلام السياسى لتسحب البساط من تحت اقدام تنظيم القاعدة الدولى ..( والذى كان احد نواتج الامبريالية واحد أدواتها فى الحرب الباردة قبل ان ينقلب عليها ) ...
وهناك من طرح بضرورة دعم وصول تيارات اليمين الدينى الى السلطة باعتبار ان الحكومات التى تنتهج السياسات التابعة للنيوليبرالية تقلصت مساحة القبول الشعبى لها وتزايد السخط عليها نتيجة سياساتها المجحفة بالفقراء وبالتالى فلا مفر من اللجوء الى طرف ذات طابع شعبوى من اطراف اليمين ليتصدر المشهد فى هذه اللحظة فيجعل النظام (بمعناه الشامل ) أقل عرضة لأخطار ثورات الشعوب ..
ايضا كان هناك نصور لأعادة فك وتركيب منطقة الشرق الأوسط بكاملها وكان مأمولا ان يلعب تنظيم الاخوان المسلمون دورا وظيفيا فى ذلك وقد بدا ذلك فى شواهد كثيرة فيما بعد ومن بداية فترة حكم الاخوان  ...
. لذا كان الدعم الغربى لوصول الاخوان وحلفائهم للسلطة طبيعيا ومنطقيا ومناسبا لتلك اللحظة من عمر النظام ... وهذا جوهر ماحدث فى 25 يناير .. مضروبا فى ضعف المشروع الثورى وعدم اكتماله بعدم وجود اصطفاف ثورى قوى موحد  يمتلك رؤية و مشروعا لما بعد اسقاط رئيس الجمهورية  .. فكانت السلطة للأخوان المسلمين بمباركة امريكية وباستعداد تام لكبار موظفى الدولة والجيش للتعاون والعمل تحت سلطة الاخوان المسلمين التى لم تكن ستقدم او تدافع عن مصالح او سياسات مختلفة عما كان مبارك وزمرته يفعلون ...
وفشل الاخوان فى انتهاز تلك الفرصة التاريخية التى أتت اليهم فى لحظة لم يكونوا قد رتبوا  أو أعدوا لها أصلا فقد كان أقصى مايصل اليه سقفهم السياسى قبل موقعة الجمل الشهيرة هو المزيد من تبادل الصفقات السياسية واحراز مكاسب سياسية تؤهلهم للمشاركة السياسية ( ولو من الباطن ) ..
ولم يكن لديهم غير فكرهم الأستبدادى وسلطويتهم الفارغة من أى مضمون وظيفى سوى السلطة نفسها كأداة للتسلط وحلمهم بأحياء الخلافة الأسلامية وهو الوهم  الذى اقترب بهم الى تجاوز كل الخطوط الحمراء لمفهوم الأمن القومى على حساب مفهوم الدولة الوطنية بمعناه حتى التقليدى الذى أفزع كل أجهزة الدولة وغالبية موظفيها المتمثلين فى القضاة والشرطة والجيش وكذا جميع كوادر الدولة ..
ولم يقدم الاخوان وحلفاؤهم شيئا للمصريين على صعيد الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التى يعيشها المصريون وفشلوا فى ادارة جميع الملفات التى امسكوا بها نتيجة استبعادهم لكل الكوادر الوطنية ( الغير دينية الطابع ) فى حين انهم لم تكن لديهم الكوادر الفنية والعلمية والتى تتوافق مع رغبتهم فى الأمساك بكامل السلطة السياسية والادارية واعادة تشكيل وظائف الدولة وفقا للطابع السلطوى الخاص بهم ..
فى الوقت الذى كان الشعب المصرى قد اصيب بخيبة أمل كبيرة نتيجة أحساسه بأن ثورة 25 يناير قد سرقت وان دماء الشهداء والمصابين فى الثورة قد استبدلت بكرسى السلطة ..
فعادت الاحتجاجات من جديد وتفشى العنف الاجتماعى وتواكب ذلك مع شعور القوى السياسية  الوطنية بخطورة سلطة الاخوان المسلمون على قيمة الدولة الوطنية وعلى الحريات والثقافة الوطنية وعلى مطالب الشعب المصرى الذى اعلنها فى 25 يناير 2011
 والتقى الجميع فى ميادين الاحتجاجات والتظاهر .. المتحالفين وغير المتحالفين .. وكان هناك على صعيد الشارع السياسى تجمعات سياسية هى  القوى الليبرالية قوى اليسار القوى القومية .. ولكن كان هناك تيار يلعب دوره الرئيسى بشكل يبدوا مستقلا عن  هذه التحالفات السياسية المعلنة ( جبهة الانقاذ وجبهة الاستقلال - وبعض الحركات السياسية وعلى رأسها حركة تمرد ) ..
وفى تداخل احيانا مع بعض اطراف هذا او ذاك من اطراف تلك التحالفات ... او مشجعا لهذا او ذاك من الخلف .. انه مايمكن ان نسميه تيار الدولة .. اولئك المرتبطون كما أسلفت فى مشهد 25 يناير بالنظام بمعناه الشامل ... وهم كبار موظفى جهاز الدولة وقيادات الجهاز الذين كانوا جميعا مهددين بضياع مكانتهم الادارية والسياسية كقادة الجيش والشرطة والقضاة ومهم ومن خلفهم على ( استحياء سياسى مرتب ) انصار واعضاء الحزب الوطنى المنحل وما أطلق عليهم ( الفلول ) ووراء كل ذلك كان من خرج فى مشهد 30 يونيو لأول مرة من سكان الريف المصرى ( كنت اشاهد كبار الملاك الزراعيين والعمد  ينقلون ابناء القرى بالسيارات الى ميادين المحافظات ) وايضا نزل الى مشهد يونيو اولئك الذين ارتبطوا بأحساسهم الموروث تاريخيا  بأبوة الدولة وقدسيتها وهم كثيرون من ابناء الشرائح العليا من الطبقات المتوسطة ( وهم ضمن من كانوا يطلق عليهم تعبير حزب الكنبة فى يناير ) ...
نزل الشعب المصرى بكل أطيافه فى 30 يونيو  وفى القلب منه ثوار يناير الذين نزلوا الى الميادين بهدف استرجاع اهداف ثورة يناير .. وايضا هذه المرة لم يكن هناك اصطفاف وطنى قادر على انتزاع السلطة وتغيير النظام وادارة الدولة بنظام سياسى واجتماعى يعبر عن مطالب الشعب المصرى التى خرج بها فى يناير 2011 ...
لم يكن هناك من قادر على الحسم غير جهاز الدولة نفسه أو بمعنى أدق الجزء الأكثر صلابة وتنظيما فى جهاز الدولة الذى كان قد اصبح هشا وضعيفا بعد 25 يناير ..وهذا الجزء هو الجيش ...
الجيش هنا تزعم تيار الدولة ( أو فيلقل من يشاء تيار عودة الدولة المصرية ) تزعم الشرطة والقضاة وادارات الحكم المحلى والوزارات التى لم تكن سقطت بعد فى ايدى الاخوان ...
وللمرة الثانية حفاظا على استمرار النظام الحقيقى ( وليس السياسى كماهو فى المفهوم الشعبوى العام ) فقد تمت ازاحة الرأس الثانية بعد مبارك وكبار معاونيه فى يناير 2011  ...
فى المرة الثانية قد نجت الدولة المدنية بعد انتفاضة شعبية لامثيل لها فى التاريخ المصرى ... ولكن نجا معها النظام الاجتماعى الذى يضمن تكريس سيطرة الطبقات المهيمنة على الثروة والمقدرات الاقتصادية والادارية للمجتمع ...
وهاهو تيار الدولة يتقدم نحو المرحلة القادمة بعد ان فشلت كل القوى  السياسية فى اختبار 25 يناير و30 يونيو ..
 فشل التيار الليبرالى المصرى على مدى عقود فى انجاز مهمتهم فى تكريس الديمقراطية والحداثة والاستنارة وخلق قاعدة اقتصادية تغنى المجتمع شر الجهل والفقر والمرض  فكان ان ظهر الاخوان المسلكمون وتفشت الثقافة التى تفهم الدين وفقا للمفهوم البدوى الصحراوى الجاف المنافى لروح الانسانية والحضارة ..
وأخفق  التيار القومى فى توحيد صفوفه والالتقاء مع اليسار والتقدم لتحمل مسئولية المشروع الوطنى الذى تفك عبره اواصر التبعية والتخلف والفقر وفى نفس الوقت تكوين اوسع جبهة بقيادة هذا التحالف لاستكمال ما كانت تتعثر فى انجازه الليبرالية المصرية عبر تاريخها من تنوير واشاعة ثقافة الحداثة والذوق الرفيع فى اطار الثقافة والخصائص الوطنية المصرية ..
ولم يوفق الثوار من الشباب فى التلاحم مع القوى الثورية من الاجيال السياسية المتعددة والسير نحو بناء مشروع سياسى وطنى للتغيير بما يعنى وضع تصور لسلطة وطنية تعبر عن مطالب الشعب المصرى وامانيه بدلا من المشروع الاحتجاجى الذى يقترب من حافة الفوضوية السياسية التى لاتنتج معالم لدولة وسلطة ما .. انما تنتج الارتباك والفوضى وسقوط الامال والاحباط .. وهذا مانخشى ان تعكسه حالة من العنف الاجتماعى والاضطراب السياسى   الطويل المدى ..
 وفى هذه الظروف هناك اسقطتهم انتفاضات يناير ويونيو من يستعد لركوب حصان طراوادة للعودة ثانية الى المشهد السياسى ضمن تيار الدولة الذى سيكون فاعلا بلاشك فى الايام القادمة ..
 ولنصبح نحن على انتفاضة اخرى ومشهد ثالث ربما يكون خاتمة المشاهد فى حلقات الثورة المصرية الوطنية الديمقراطية والتى تشكل تاريخا من الامكان والاخفاق ومابينهما دروس يجب ان نتعلمها ..

الخميس، 10 أكتوبر 2013

اكتوبر .. انتصار حرب فى اطار استراتيجية التحرر الوطنى ... ام انتصار عسكرى هام فى معركة حربية ؟


ماقيمة هذا التساؤل الان بعد مضى 40 عاما على انتصار اكتوبر العسكرى ؟ ... 
الرد يكمن ببساطة فى سؤال : وهل يمكن ان يكون لنا مستقبل دونما حاضر نؤسسه على الرؤية الصحيحة لماضينا ودونما ان نقوم بجرد محتويات هذا الماضى فرزه وتصنيفه وتحليله واعمال النقد واستخلاص الدروس والمحاذير التى قد تنفعنا فى مستقبل مفعم باحتماليات خوض معارك ونزاعات بحكم موضعنا الجيوسياسى فى منطقة جغرافية حبلى بصراعات ونزاعات واشتباكات سياسية ومصلحية وقومية فى غاية التعقيد ؟ 
السؤال ايضا يفجره ذلك التناقض مابين انتصار فى معركة حربية يحققه العسكريون فيحوله السياسيون الى رأس كوبرى لتحول كبير نحو مشروع سياسى واجتماعى واقتصادى وثقافى شامل مضاد تماما للمشروع الوطنى الذى كان قائما وقت ذاك وكان هو السر الحقيقى وراء زخم وقوة هذا الانتصار ... 
المقدمات كلها بعد نكسة يونيو 67 تقول ان استيعابا ما للاسباب السياسية العسكرية التى ادت للهزيمة قد تم .. وقد تمثل ذلك فى اعادة البناء الهيكلى للجيش بدأ من الهيكل القيادى ( اسناد قيادة الجيش لقيادات عسكرية محترفة متفرغة تماما للعمل العسكرى بعيدة كل البعد عن الاشتباك مع ماهو مدنى ...) .. 
واعادة ترتيب صلاحيات هذه القيادات و أعادة هيكلة علاقاتها بالدولة والمؤسسات المختلفة وعلى رأسها طبعا مايتعلق برئاسة الجمهورية ومجلس الدفاع الوطنى .. 
ثم السهر على رفع الكفاءة القتالبة للجنود والضباط واعادة تسليح الجيش الذى لعب فيها الاتحاد السوقيتى دورا هائلا لايمكن انكاره تمثل فى اقامة حائط صواريخ الدفاع الجوى الذى لعب دورا اساسيا فى انتصار اكتوبر ..وهو ماعبر عنه قائد عسكرى بمكانة المشير عبد الغنى الجمسى الذى كان رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة قبل واثناء حرب اكتوبر 1973 .. 
يقول الجمسى فى مذكراته عن حرب اكتوبر 1973 : 
(وكان التسليح من اهم الأمور فى تلك المرحلة , وكان الاتحاد السوفيتى هو المصدر الرئيسى لامدادنا بالسلاح وبدونه ماكان يمكن اعادة البناء )... 
ويقول ايضا فى هذا الشأن : 
( ووصل الى مصر وفد عسكرى سوفيتى كبير برئاسة الجنرال لاشنكوف للمعاونة فى اعادة تنظيم القوات وتسليحها وتدريبها , وكان هذا الوفد هو بداية وصول خبراء سوفييت اكثر عددا , وتعدلت التسمية فيما بعد ليكونوا مستشارين فى الوحدات والتشكيلات والقيادات , ومن الملاحظ ان مجموعة من المستشارين برئاسة لاشنكوف كانوا على درجة عالية من الكفاءة والخبرة فى مجالات عملهم ولذلك استحقوا حينئذ كل التقدير ...
وفى يوم 21 -6 - 1967 وصل الى مصر الرئيس السوفيتى بودجورنى يرافقه وفد عسكرى برئاسة المارشال زخاروف رئيس اركان القوات السوفيتية , لاظهار التأييد السياسى لمصر وبحث المطالب من الاسلحة والمعدات لاعادة الناء وقد ظل المارشال زخاروف فى مصر لمدة شهر تقريبا لتقديم المعونة فى تنظيم القوات ورفع كفائتها القتاالية بالتعاون الوثيق مع القائد العام
للقوات المسلحة تحت الاشراف المباشر للرئيس عبد الناصر ..) 
... وتجلت نتيجة اعادة بناء القوات المسلحة واعادة تنظيمها وتسليحها ورفع كفاءتها القتالية فى البدء سريعا فى حرب الاستنزاف التى سرعان مالملمت جراح العسكرية المصرية واعادت لها ثقتها فى انفسها وكبدت اسرائيل خسائر كبيرة ومنعتها من استثمار هزيمة 67 فى فرض تسوية وفق شروطها ووفقا للواقع الذى تحقق فى يونيو 67 .. 
وهكذا نهضت الجندية المصرية التى أسسها محمد على وابراهيم باشا وأعاد جمال عبد الناصر ومحمد فوزى والشهيد عبد المنعم رياض بالبناء الثانى لها ... بعد ان انهارت مرتين ... 
المرة الاولى عندما قام الخديوى توفيق بتسريح وحل الجيش المصرى بعد انتفاضة احمد عرابى الوطنية وهزيمة الثورة العرابية على يد الانجليز عام فى عام 1881 ... 
والمرة الثانية عندما تم انهاك الجيش المصرى فى الحرب الاهلية فى اليمن بالتوافق مع اهمال تدريب هذا الجيش وتطويره ومعالجة مناطق الضعف العسكرى التى تكشف عام 1956 فى العدوان الثلاثى على مصر اكتفاء بالنصر السياسى الكبير الذى حدث فغطى على القصور العسكرى ...
وكذلك انشغال قادته بالحياة السياسية والمدنية وبأمور أخرى لادخل لها بالجندية .. وتم ادخال الجيش فى معركة كان غير مستعدا لها وغير قادر على خوضها وتحمل ماصاحبها من أخطاء سياسية وعسكرية فادحة تسببت فى انهياره .... 

عادت اذن الجندية المصرية الى قوتها ووصلت الى ذروة التأهيل العسكرى والى قدر لا بأس به من التسلح .. يتلاحم ورائها عمق شعبى يضغط من اجل بدأ معركة استرداد الكرامة الوطنية وتحرير الارض وازالة آثار العدوان ..
وخاضت حرب اكتوبر وفق التوجيه الاستراتيجى الصادر لها من القيادة السياسية .. 
وهنا يجب ان نتوقف كثيرا امام هذا التوجيه الاستراتيجى الذى صدر من رئيس الجمهورية (السادات ) الى وزير الحربية الفريق احمد اسماعيل فى 5 أكتوبر عام 1973 
( قررت تكليف القوات المسلحة بالمهام الاستراتيجية الاتية : 
ا- ازالة الجمود العسكرى الحالى بكسر وقف اطلاق النار اعتبارا من 6 اكتوبر 1973
ب- تكبيد العدو أكبر خسائر ممكنة فى الأفراد والأسلحة والمعدات .
ج- العمل على تحرير الاراضى المحتلة على مراحل متتالية حسب نمو وتطور امكانات وقدرات القوات المسلحة . )

اذن نحن امام مهمة لها سقف لايصل الى سقف الطموحات المعلنة سياسيا من قبل والتى مثلت مطلبا وطنيا لجموع الشعب المصرى وهو تحرير الارض وازالة اثار العدوان ( لاحظ ان هذا الشعار كان مرفوعا من قبل عقب العدوان الثلاثى على مصر متمثلا فى مشكلة وصول الكيان الصهيونى الى مضيق العقبة وحصولها على صلاحية الملاحة فى خليج العقبة لأول مرة فى تاريخه تحت حماية قوات الطوارئ الدولية وكانت هذه المشكلة هى السبب فى اندلاع حرب يونيو 67 ) 

هذا التوجية الذى تسلمه وزير الدفاع والذى يحدد المهام المباشرة والهدف النهائى من المعركة يبعث على طرح اسئلة أهمها ..
1- ان الهدف النهائى اصبح غير واضح وغير محدد .. فقد بدأ بكلمة ( العمل على ) ثم مشروطا ب ( حسب نمو وتطور امكانات القوات المسلحة ) ... وهو مايلقى بالتساؤلات حول الهدف الأساسى من المعركة ذاتها .. ويجعلنا امام السؤال التالى : 
2- هل ان الهدف النهائى من المعركة كان فى حقيقته هو نص النقطة ( أ ) وهو ازالة الجمود العسكرى الحالى بكسر وقف اطلاق النار ؟ ..
3- كان من المتعارف عليه ان يبدأ التوجيه الاسترايجى ( قرار تكليف الجيش بالحرب ) بالمهمة المباشرة ثم المهام التالية ثم الهدف النهائى .. فهل بدأ التوجيه الاسترايجى للمعركة بالمهمة المباشرة لتصلح كمهمة نهائية يتم الاكتفاء بها ؟ 

ان الظروف التى صاحبت بداية المعركة ونهايتها وماتلاها تجعلنا نعتقد ان هناك خداعا سياسيا تم ممارسته على الجندية المصرية من قبل القيادة السياسية كانت مؤشراته كالتالى : 
1- فتح قناة اتصال مع الولايات الامريكية بعد بدء العمليات العسكرية مباشرة ( بين حافظ اسماعيل مستشار الامن القومى المصرى وهنرى كسينجر مستشار الامن القومى الامريكى ) وتم خلال ذلك بدأ التراسل بين الجانبين والتفاهم ايضا فقد تم ارسال رسالة يوم 7 اكتوبر مفادها ان مصر لاتعتزم ( تعميق الأشتباكات ) أو ( توسيع المواجهة ) ... 
وهنا يقول هنرى كسينجر فى مذكراته عن المذكرة (الرسالة الاولى ) السرية التى ارسلها له حافظ اسماعيل فى هذا اليوم :

{ ..... ولا يفوتنى أن اذكر ان المذكرة تتضمن مؤشرا يوضح ان السادات متفهم جدا لتلك الحدود التى يتمكن من الوصول اليها ((ليس فى نيتنا التعمق فى اراضى الغير أو توسيع جبهة القتال )) ان هذه الجملة الواردة فى المذكرة , لاتخلو من التنويه بأن مصر غير راغبة فى متابعة العمليات العسكرية ضد اسرائيل بعد الاراضى التى كسبتها , أو تحميل امريكا كامل مسئولية مايحدث كما فعل جمال عبد الناصر عام 1967} 

2- ان رئيس عمليات اركان الحرب ( اللواء الجمسى وقتها ) قد وضع ملاحظة فى غاية الخطورة على هامش نشاط القيادة السياسية فى نص ماكتبه فى مذكراته .. يقول الجمسى ( ولاشك ان العمل السياسى لم يكن فى صالح العمل العسكرى عندما نصت البرقية المصرية (( لاتعتزم مصر تعميق الاشتباكات أو توسيع المواجهة ) ... 
اذن فأن السياسى كان يعمل بعيدا عما تقوم به الجندية المصرية على ارض الواقع وهى تبذل دمائها وأرواحها من اجل اهداف وطنية امنت بها كجزء من الشعب المصرى .. بينما كان للقيادة السياسية افق اخر تراهن عليه بعد ان تسكت المدافع وتكف الطائرات عن أزيزها وتخفت انفجارات القنابل ... 
3- لقد فضحت كلمات حافظ اسماعيل منطق السلطة السياسية فى التعامل مع الحرب والذى كان يختلف تماما عن المعلن من ان الهدف هو ازالة اثار العدوان وتحرير الاراضى المحتلة ... ففى صفحة 223 فى كتابه ... أمن مصر القومى فى عصر التحديات يقول حافظ اسماعيل :
( كانت قواتنا خلال المرحلة التى انتهت .. قد اتمت تحقيق الهدف المباشر , وكنت من خلال احاديثى مع الفريق أول احمد اسماعيل من قبل نشوب الحرب أدرك انه لاينوى التقدم حتى الممرات الجبلية وان ماجاء بتعليمات القيادة العامة بأن الهدف هو احتلال المضايق انما قصد به ان يستحث القيادات الصغرى خلال مرحلة بناء رؤوس الكبارى على استمرار التقدم حتى الهدف المباشر ) 

لقد جعل ذلك الجمسى مرتابا فى الامر ويتساءل فى مذكراته (( وهل من المعقول ان يكون فكر القائد للقوات المسلحة مختلفا عن فكر رئيس الدولة ؟)) .. 
من الواضح ان السادات كان لديه افق اخر وكان احمد اسماعيل فقط يشاركه هذا الافق .... وعلى اية حال فقد وضح هذا الفارق بين محدودية الاهداف لدى القائد السياسى الذى كان يهدف فقط الى مجرد نصر عسكرى محدود يحرك به الموقف السياسى ويهيئ به مسرح التفاوض لانجاز اكبر تحول فى مفاهيم الامن القومى المصرى وعلاقات مصر بعمقها العربى بل وعلاقاتها بالعالم قاطبة ..
وكانت الجندية المصرية فى نفس الوقت تحارب معركتها بكل ماتعنيه الكلمة من شرف عسكرى وفداء وطنى ..

وكانت بداية التحول فى اتمام تخريب مؤتمر جينيف المزمع عقده لانجاز تسوية شاملة لمشكلة الشرق الاوسط بمفاجأة الجميع بالسفر الى اسرائيل والاجهاز على كافة فرص السلام الشامل بعقد صلح منفرد مع الكيان الصهيونى .. وكان ذلك مرتبط بتحولات تجرى على الارض للاسراع بتمكين الثورة المضادة للمشروع الوطنى المصرى الذى كانت تتبناه سلطة عبد الناصر .. 
كانت كامب ديفيد تتمة لبداية التبعية الكاملة للولايات المتحدة الامريكية تعبيرا عن الانحياز الطبقى فى الداخل وتمكن الرأسماليين الوكلاء للرأسمالية العالمية ... 
ومن هنا كان الانقلاب التام على مشروع الثورة الوطنية المصرية والتى لازال ينهض ولازالت القوى الاجتماعية المسيطرة تقاومه .. ونجحت عقب 25 يناير فى تعديل مسارات الشكل السياسى للحكم لتخدع الجماهير الثائرة .. وهى مازالت تحاول مرة اخرى بعد 30 يونيو ... والتامر على غالبية الشعب المصرى وعلى المشروع الوطنى المصرى لايزال يسعى ..
ولازالت مهمة التحرر الوطنى من أسر التبعية و الافقار والتخلف والتعثر الحضارى معلقة فى رقاب الساعون الى تغيير حقيقى .. يصنع مصر الوطنية الديمقراطية المدنية التى تساوى بين ابنائها جميعا ولا مجال فيها للأضطهاد والتمييز على نحو طبقى او على اساس جنسى او دينى او على اساس السكن الجغرافى ...

الجمعة، 4 أكتوبر 2013

زواج السطة بالثروة ... دائما يحدث هذا ...



ظهر جليا تعبير زواج السلطة بالثروة فى مصر فى ظل حالة السيطرة السياسية التى بدت فى يد ( مجموعة جمال مبارك الوزارية والبرلمانية والحزبية ) والتى كانت اغلبها من رجال الاعمال الذين كانوا تجسيدا صارخا لحالة تركز السلطة والثروة فى يد عدد محدود من افراد المجتمع وذلك بعد ان تلاشت الحدود بين انشطة رجال الاعمال التجارية وبين أنشطتهم السياسية ...
و الزواج بين السلطة والثروة فى مصر ليس وليد اليوم ولا الأمس وانما هو جزء من السمة التاريخية للرأسمالية المصرية التى بدأ ظهورها فى فترة حكم محمد على لمصر (1805 - 1849 ) ..
محمد على تاجر الدخان الذى اصبح ضابطا فى الجيش العثمانى ثم واليا على مصر بعد سلسلة من الصراعات - بعد خروج الحملة الفرنسية من مصر - فيما بين بقايا الاتراك المماليك والاتراك التابعين للدولة العثمانية على حكم مصر لحساب السلطان الجالس فى الباب العالى العثمانى أو ما كان يسمى ب ( الرأس الأعظم للدولة العلية العثمانية ) ..
انفرد محمد على بالسلطة وفى خلال ثلاث سنوات كان هو المالك الفعلى الوحيد لمصدر الثروة فى مصر ( التى لم تكن تحددت فيها اشكال الملكية بعد ) وهو الذى قرر الانعتاق من تلك الحالة التى عليها المجتمع المصرى من زراعة شبه بدائية واراض كان يتم زراعتها لحساب الولاة الذين يمثلون خلفائهم او سلاطينهم الذين ترجع اليهم جميع املاك الدولة ( اذ لم يكن هناك اى شكل من اشكال الملكية للاراضى الزراعية حتى ذلك الوقت )
اجرى محمد على الذى قرر ان يدفع التطور دفعا صناعيا كى يتواكب مع التطور الاوربى متجاوزا الفوارق على الارض المصرية وبغض النظر عن هذا المشروع الحداثى الذى يؤرخ لبدأ الدولة المصرية الحديثة اصبح محمد على هو مصدر انتاج الثروة ومصدر توزيعها ايضا ..

وقد كان مثلا ان اجرى فى عام 1813 مسحا شاملا للاراضى الزرعية وصادر كل الاراضى ( الوسايا - من جمع وسية )التى كانت يزرعها الفلاحون (بالسخرة ) تحت ادارة شيوخ القبائل وفقا لنظام الالتزام لحساب المماليك الاتراك (الملتزمين ) واخذ هذه الاراضى كلها ثم اقتطعها لأفراد أسرته وكبار موظفيه من المصريين الذين اوفدهم للتعلم فى الخارج ورجعوا ليتولوا المناصب الادارية والفنية فى الدولة وبعض الذين استوظفهم من الشوام والاجانب ...
و بدأت هنا رحلة الثروة عند الكثرين من بوابة محمد على باشا .. فرقاعه رافه الطهطاوى لم يكن سوى الصبى الذى ارسله محمد على باشا للخارج (فرنسا ) ليتعلم ويعود متقلدا موقعه فى جهاز الدولة فيعطيه محمد على 250 فدان ثم ينعم عليه الخيوى سعيد من بعده ب 200 فدان , ثم فى عهد الخيوى اسماعيل يتم منحه 250 فدان اى ان مصدر ثروة رفاعه رافع الطهطاوى ( الجد العظيم لكل الاباء التنويريين و الليبراليين ) هى 700 فدان من الاسرة العلوية ومااشتراه هو من ناتج هذه الثروة ومخصصات الوظيفة حوالى 900 فدان واشترى واقام عمائر ومبان وتوفى تاركا لورثته ( الملاك الجدد ) حوالى 2500 فدان ( راجع د. رفعت السعيد الاساس الاجتماعى للثورة العرابية ) ..
كذلك مثلا مصطفى بهجت الذى وضع تصميم القناطر الخيرية لمحمد على ( وهو ابن فلاح فقير ايضا ارسله محمد على للتعلم فى اوربا ضمن صبية كثيرون ) .. منحه محمد على 1800 فدان وجاء الخديوى عباس ليمنحه 400 فدان .. وهكذا اسماء كثيرة ..
طريقة اخرى لتوزيع الثروة بواسطة السلطة تمثلت في منح الموظفين من مستخدمى الدولة اراض يتم منحها لهم عند التقاعد وهكذا كما يقول د . ياسر ثابت فى كتابه ( قصة الثروة فى مصر ) بدت الوظيفة طريقا الى الثراء وتحسين الوضع المالى للفرد والعائلة ..

, ثم اصدر الخيوى سعيد اللائحة السعيدية فى سنة 1858 ثم تتطور حق الملكية ليصبح ملكية تامة فى قانون المقابلة الذى أصدره الخيوى اسماعيل سنة 1871...
وبالتالى اصبحت مصادر الثروة مرتبطة بقرارات وهبات وعطاءات سلطوية .. او أى علاقة ما بالسلطة .. سواء بطرق النسب او المصاهرة او حتى المسامرة مع الحكام فى النوادى الليلية ..
هكذا الطريق المركزى للثراء والحصول على الثروة ... من بطن السلطة ..
فأسماعيل المفتش صديق الخديوى اسماعيل وصديقه المقرب عندما حصرت ثروته بعد مقتله قدرت بحوالى 3ملايين جنيها .. ( واظن انها بالمعيار النقدى اليوم تساوى مليارات الجنيهات ) ...
لم يكن اسماعيل المفتش فقط نموذجا لتزاوج السلطة بالمال ... فقد انجبت سلطة الخيوى اسماعيل الثروة والثراء لرجال بعضهم اجانب وبعضهم متمصرين وبعض المرتبطين بهم من المصريين ...
فسوارس وقطاوى والبدراوى عاشور ورولو وشيكوريل وشعراوى , سراج الدين شاهين والشواربى .. كلهم أصبحوا فيما بعد اسماء والقابا لأكبر عائلات المال والسياسة والسلطة فى مصر ...
فعندما قدم الرأسماليون الاجانب الى مصر أغدق عليهم اسماعيل بالامتيازات والمنح والعطايا فكانت هنا بداية النشأة الفعلية للرأسمالية المصرية عبر الاجانب الذين تمصروا وان ارتبطت مصالحهم بدول المركز الرأسمالى الاوربى فى ذلك الوقت كذلك كان معهم شركائهم من المصريين ... وهذه النشأة الاجنبية قد أثرت الى حد كبير فى أحدى اهم خصائص الرأسمالية المصرية (غير ارتباط المال بالسلطة وبالتالى الفساد ..) وهى خصيصة التبعية الهيكلية للرأسمالية الاجنبية والتى لازمتها منذ هذا الوقت الى وقتنا هذا ..
شهدنا عبر قراءتنا للتاريخ كيف انجبت عائلات سوارس نوابا فى البرلمان بغرفتيه ووزراء هذه العائلة اليهودية السفاردية التى قدمت من اسبانيا واشترت 300 ألف فدان من اراضى الدائرة السنية وامتلكن الشركات والعقارات والبنوك وشاركتها عائلة رولو اليهودية السفاردية ايضا والقادمة من اوربا وكذا عائلة قطاوى الشهيرة وعائلات شيكوريل وعدس .. ( وصل يعقوب قطاوى احد افراد العائلة القطاوية الى منصب ناظر الخزانة فى عهد الخيوى عباس الاول واحد ابناء هذه العائلة وهو موسى قطاوى كان عضوا بالبرلمان وكذا فأن منهم يوسف اصلان قطاوى الذى اشترك مع طلعت حرب و شيكوريل فى تأسيس بنك مصر ... وكان يوسف قطاوى احد ابناء السلالة عضوا فى الوفد المصرى مع سعد زغلول باشا وكان وزيرا للمالية فى حكومة الوفد عام 1924 وعضو مجلس الشورى عن كو امبو وكانت زوجته اليس وصيفة للملكة فريدة زوجة الملك فاروق ) بينما كان روبير رولو ابن عائلة رولو مستشارا قانونيا للملك فؤاد الاول ومثال اخر للتزاوج بين السلطة والثروة هو يعقوب دى منسى الذى اصبح صراف الخيوى اسماعيل وشريك ليعقوب قطاوى فى الكثير من المؤسسات المالية والبنوك بل كان شريكا للخيوى اسماعيل نفسه فى بعض الاعمال المالية ..وتواصل التزاوج فكان فارتبطت شخصيات مثل اسماعيل صدقى رئيس وزراء مصر الاسبق واحمد زيوار باشا وزير الحربية وعدلى باشا يكن رئيس وزراء اسبق وحافظ عفيفى رئيس الديوان الملكى واحمد عبود باشا وابراهيم عبد الهادى .. كل هذه الشخصيات كانوا شركاء لدى ال قطاوى وسوارس ورولو .. ايضا كان محمد محمود باشا رئيس وزراء مصر هو ابن محمود سليمان باشا رئيس حزب الامه واغنى اغنياء مصر فى ذلك الوقت ..
وهذا مالاحظه شهدى عطيه الشافعى عندما كتب ( فى ظل الاستقلال الأسمى الذى فازت به مصر ظهرت نواة بارزة من كبار الماليين المصريين المتصلين أوثق اتصال بالشركات الاجنبية ورؤوس الاموال الاستعمارية .. اذ رأت هذه الشركات ان من الخير لها ان تعين بعض اعضاء مجالس الادارت من مستوزرين سابقين وبعض كبار الموظفين ليستخدموا جهاز الدولة فى خدمة هذه الشركات ,كما ان بعض أثرياء التجار المصريين امثال فرغلى وعلى امين يحيى رأوا ات من صالحهم التعاون مع رؤوس الاموال الاجنبية لتحقيق مزيد من الارباح برزت فئة جديدة شاركت كبار الملاك الحكم تحت سيطرة السراى والاستعمار ...)

وسيستمر هذا التزاوج طوال حكم الاسرة العلوية والى ان تأتى ثورة يوليو وتنهى هذا الوضع عبر قوانين الاصلاح الزراعى والتأميمات وتمصير الاقتصاد وخلافه من قرارات ..

الا ان الثورة المضادة كانت تعبر عن لم شمل فلول تلك الطبقات التى ضربتها ثورة يوليو والتى كان بعضها قد لجأ الى الخارج بأمواله الى جانب هؤلاء الذين لم يكونوا اشتراكيون فى سلطة تعلن ليل نهار انها نظامها اشتراكى قد استغلوا نفاذهم الى هذه السلطة ومواقع النفوذ مستغلين غياب الديمقراطية ومتخفين ومتظللين بغياب حق اصحاب المصالح الحقيقية فى الثورة فى الدفاع عنها وكشف الانتهازيين والوصوليين الذين كونوا ثروات عبر استغلال النفوذ وافساد القطاع العام فظهرت القطط السمان من لصوص القطاع العام الى جانب شتات الرأسماليين فى الخارج والمهربين وتجار المخدرات وللأسف انتصرت الثورة المضادة على يد السادات عندما اطلق مايسمى بسياسة الانفتاح الاقتصادى
وبدأت مرحلة اخرى من التزاوج بين المال والسلطة عبر تسلط وتحكم الفئات الرأسمالية الطفيلية فى المجتمع المصرى تحت ادارة السادات واختياراته التى اختلفت جذريا عن خيارات جمال عبد الناصر الذى لم يرتبط بأى حال من الاحوال بالثروة .. فقد مات ولم يورث لابنائه سوى المعاش الذى قرر من الدولة ووثيقة تأمين ب 2400 جنيه ...
اما السادات فقد ربط سلطته بقاعدتها الاجتماعية من الرأسماليين الذين جمع شملهم بعد تشتت .. بل انه حرص ان يقيم صلات عائلية ترتبط بين السلطة والثروة عبر مصاهرته للأغنياء الجدد سيد مرعى وعثمان احمد عثمان وهم من رموزالطبقة الجديدة وكذلك تمكينه لرجاله مثل رشاد عثمان امين الحزب الوطنى فى الاسكندرية ( والذى حامت حول نشأة ثروته وتعاظمها الشيهات ) وكذا رجله اشرف مروان وكثيرون ومن بينهم اخوته طلعت وعصمت السادات اللذان استغلا نفوذهما وقرابتهما للسادات فى النصب والتربح والتكسب على حساب ضحاياهم من الشعب المصرى ..
ربما تتطور التزاوج بين المال والسلطة فى فترة حكم مبارك وشهدت الظاهرة تمددا وافتضاحا نتيجة ماتلازم معها من تصاعد الفساد (بالرغم من انه بدأ عهده بشعارات حول مقاومة الفساد ) وكذا تكثف التبعية الشديدة للمركز الرأسمالى العالمى وزيادة التكيف الهيكلى بين الاقتصاد المصرى والاقتصاد الرأسمالى الذى يشهد ازمته الشديدة منذ عام 2008 ومانتج عن ذلك من ازدياد حالة الافقار وتعاظم البطالة بين الشباب وتشريد العمال وافقار الفلاحين من صغار الملاك وعمال الزراعيين وانضغاط الطبقة الوسطى اقتصاديا واجتماعيا وانسحاب الدولة بالكامل من اداء الخدمات الصحية والاجتماعية والاجهاز على ماتبقى من شركات القطاع العام ..
والتبعية للنهج النيوليبرالى الامريكى الذى ساد فكر رجال جمال مبارك فى لجنة السياسات وتعاظم نفوذ رجال مثل احمد عز وهشام طلعت مصطفى كنماذج متسلطة اجتماعيا وتعانى من انتفاخ بالسلطة والثروة فى ان واحد ..
الى غيره مما أدى الى انفجار الوضع فى 25 يناير واستحالة ان يستمر نظام مبارك ... واعتقد ان ذلك سينطبق ايضا على من سيأتى من الحكام طالما بقى النظام هو النظام وطالما بقيت الرأسمالية بخصائصها المصرية المبينة هى التى تحكم وتسيطر اجتماعيا واقتصاديا ..


--------------------------------------------------------------------------------------------------
مراجع
د. رفعت السعيد الاساس الاجتماعى للثورة العرابية
بنوك وبشوات ترجمة د. عبد العظيم انيس
متابعات فى الجرائد المصرية
كتاب قصة الثروة فى مصر ل د. ياسر ثابت

الخميس، 3 أكتوبر 2013

فى التناول السياسى لقضية المرأة المصرية - لا عزاء للسيدات


يجب ان يكف البعض عن التحدث عن قضايا المرأة كنوع من الترفع والتعالى الثقافى او الوجاهة الاعلامية والاجتماعية .. او كنوع من النزق الفكرى والترف السياسى .. 
يجب ان يكون الحديث مقترنا بالسعى الاصيل الذى ينطلق من عقيدة حقيقية على اساس فهم اجتماعى عميق ترى فكرة التمييز ضد وممارسة الاضطهاد ضد المرأة هو جزء من التركيبة المتناقضة لمجتمعنا الذى يعانى من حلقات القهر الاجتماعى المركب والمرتبط بالافقار الاقتصادى والاجتماعى والثقافى من ناحية ومن ناحية اخرى ذلك التخلف الا جتماعى الذى اصطحب معه تشوها ثقافيا جعلنا نفشل حتى الان فى معالجة موروثنا الثقافى ونمارس جدلا مبدعا لتنقية هذا الموروث من تشوهاته التى لاتناسب روح العصر ..
... الايمان بتحرير المرأة وتقدمها هو جزء لايتجزء من (ولايجب بذل اية محاولة لفصله او تجزئته او معالجته بمعزل عن ) تحرر المجتمع بأكمله وتقدمه المرتبط بألغاء كافة اشكال القهر والتمييز الاجتماعى ضد الفقراء والشرائح المهمشة وفى اطار ذلك ضد المرأة الغير متزوجة او المتزوجة المطلقة أو غير المطلقة الأرملة أو التى لم تنجب ...
والمسعى من اجل التغيير الاجتماعى اصبح فى واقعنا الراهن متلازما ( بحكم المورثات الثقافية العامة والنمط المشوه للحياة الاجتماعية العربية ) مع ضرورة التنوير ..
وبمعنى اخر فأن القوى صاحبة المصلحة فى اقصاء كافة اشكال القهر المجتمعى اصبحت ملزمة ( الى جوار السعى من أجل ذلك ) برفع لواء مشروع التنوير الذى عجزت الليبرالية المصرية عبر تاريخها عن اتمامه بحكم ظروف نشأة وتتطور التشكيلة الاجتماعية الطبقية العاكسة لها ...


وفى هذا السياق فأننى اعتقد ان المطالبات الخاصة بعمل كوتة للمرأة ( مع العلم اننى لست ضدها مبدئيا ) هى مجرد استيفاء شكلى للحريات السياسية ومشكلتها انها لاتأت ضمن رؤية أعمق لمسألة تمكين المرأة سياسيا .. ولن تنتج الاستجابة لهذه المطالبات سوى عن اضفاء نوع من الديكور الشكلى على النظام السياسى ..
اما التمكين الحقيقى للمرأة فهو يعنى اساسا تمكينها اجتماعيا ( فى الواقع المجتمعى الفعلى ) وهذا مرتبط بتغيير حقيقى أولا فى التوزيع العادل نسبيا فى انصبة الناتج القومى العام وهو ما يجب ان يترتب عليه تخفيف وطئة القهر الاجتماعى العام - الذى تدفع المرأة المصرية ثمنه مرتين .. كونها مواطنة .. ثم كونها امراة ترتبط بدخل الرجل -
يتزامن مع هذا خلق حصانات اجتماعية وقانونية حقيقية للمرأة تضمن لها الرعاية والكرامة والمساواة الفعلية مع الرجل فى كافة الحقوق وكافة الواجبات وكذا كافة فرص النجاح الاجتماعى ...وان يكون ذلك منصوص عليه فى الدستور الجديد مع تحرير الدستور المصرى من كافة الكوابح التى تعرقل امكانيات التحرر الحقيقى للمرأة وبلوغها تلك المساواتية المطلوبة فى الحقوق والحريات والواجبات والتمركز القانونى والمجتمعى وان يحمل هذا الدستور نصا قطعيا على تجريم التمييز ضد المرأة بأى حال من الاحوال .. .
وذلك كله يجب ان يرتبط ويتضافر مع حالة من التنوير الثقافى والتعليمى بما يضمن تحديث المجتمع ثقافيا ومراجعة كافة موروثاته وخاصة تلك التى تميز ضد المرأة ....
اعتقد ان هذا هو الاهم من هذا التناول الشكلانى لقضية مشاركة المرأة بأعتبارها قضية وجاهة اجتماعية .. ستحقق نتيجة سياسية تصب فى مصلحة تكريس ماهو قائم .. وساعتها لاعزاء للسيدات ...