الجمعة، 4 أكتوبر 2013

زواج السطة بالثروة ... دائما يحدث هذا ...



ظهر جليا تعبير زواج السلطة بالثروة فى مصر فى ظل حالة السيطرة السياسية التى بدت فى يد ( مجموعة جمال مبارك الوزارية والبرلمانية والحزبية ) والتى كانت اغلبها من رجال الاعمال الذين كانوا تجسيدا صارخا لحالة تركز السلطة والثروة فى يد عدد محدود من افراد المجتمع وذلك بعد ان تلاشت الحدود بين انشطة رجال الاعمال التجارية وبين أنشطتهم السياسية ...
و الزواج بين السلطة والثروة فى مصر ليس وليد اليوم ولا الأمس وانما هو جزء من السمة التاريخية للرأسمالية المصرية التى بدأ ظهورها فى فترة حكم محمد على لمصر (1805 - 1849 ) ..
محمد على تاجر الدخان الذى اصبح ضابطا فى الجيش العثمانى ثم واليا على مصر بعد سلسلة من الصراعات - بعد خروج الحملة الفرنسية من مصر - فيما بين بقايا الاتراك المماليك والاتراك التابعين للدولة العثمانية على حكم مصر لحساب السلطان الجالس فى الباب العالى العثمانى أو ما كان يسمى ب ( الرأس الأعظم للدولة العلية العثمانية ) ..
انفرد محمد على بالسلطة وفى خلال ثلاث سنوات كان هو المالك الفعلى الوحيد لمصدر الثروة فى مصر ( التى لم تكن تحددت فيها اشكال الملكية بعد ) وهو الذى قرر الانعتاق من تلك الحالة التى عليها المجتمع المصرى من زراعة شبه بدائية واراض كان يتم زراعتها لحساب الولاة الذين يمثلون خلفائهم او سلاطينهم الذين ترجع اليهم جميع املاك الدولة ( اذ لم يكن هناك اى شكل من اشكال الملكية للاراضى الزراعية حتى ذلك الوقت )
اجرى محمد على الذى قرر ان يدفع التطور دفعا صناعيا كى يتواكب مع التطور الاوربى متجاوزا الفوارق على الارض المصرية وبغض النظر عن هذا المشروع الحداثى الذى يؤرخ لبدأ الدولة المصرية الحديثة اصبح محمد على هو مصدر انتاج الثروة ومصدر توزيعها ايضا ..

وقد كان مثلا ان اجرى فى عام 1813 مسحا شاملا للاراضى الزرعية وصادر كل الاراضى ( الوسايا - من جمع وسية )التى كانت يزرعها الفلاحون (بالسخرة ) تحت ادارة شيوخ القبائل وفقا لنظام الالتزام لحساب المماليك الاتراك (الملتزمين ) واخذ هذه الاراضى كلها ثم اقتطعها لأفراد أسرته وكبار موظفيه من المصريين الذين اوفدهم للتعلم فى الخارج ورجعوا ليتولوا المناصب الادارية والفنية فى الدولة وبعض الذين استوظفهم من الشوام والاجانب ...
و بدأت هنا رحلة الثروة عند الكثرين من بوابة محمد على باشا .. فرقاعه رافه الطهطاوى لم يكن سوى الصبى الذى ارسله محمد على باشا للخارج (فرنسا ) ليتعلم ويعود متقلدا موقعه فى جهاز الدولة فيعطيه محمد على 250 فدان ثم ينعم عليه الخيوى سعيد من بعده ب 200 فدان , ثم فى عهد الخيوى اسماعيل يتم منحه 250 فدان اى ان مصدر ثروة رفاعه رافع الطهطاوى ( الجد العظيم لكل الاباء التنويريين و الليبراليين ) هى 700 فدان من الاسرة العلوية ومااشتراه هو من ناتج هذه الثروة ومخصصات الوظيفة حوالى 900 فدان واشترى واقام عمائر ومبان وتوفى تاركا لورثته ( الملاك الجدد ) حوالى 2500 فدان ( راجع د. رفعت السعيد الاساس الاجتماعى للثورة العرابية ) ..
كذلك مثلا مصطفى بهجت الذى وضع تصميم القناطر الخيرية لمحمد على ( وهو ابن فلاح فقير ايضا ارسله محمد على للتعلم فى اوربا ضمن صبية كثيرون ) .. منحه محمد على 1800 فدان وجاء الخديوى عباس ليمنحه 400 فدان .. وهكذا اسماء كثيرة ..
طريقة اخرى لتوزيع الثروة بواسطة السلطة تمثلت في منح الموظفين من مستخدمى الدولة اراض يتم منحها لهم عند التقاعد وهكذا كما يقول د . ياسر ثابت فى كتابه ( قصة الثروة فى مصر ) بدت الوظيفة طريقا الى الثراء وتحسين الوضع المالى للفرد والعائلة ..

, ثم اصدر الخيوى سعيد اللائحة السعيدية فى سنة 1858 ثم تتطور حق الملكية ليصبح ملكية تامة فى قانون المقابلة الذى أصدره الخيوى اسماعيل سنة 1871...
وبالتالى اصبحت مصادر الثروة مرتبطة بقرارات وهبات وعطاءات سلطوية .. او أى علاقة ما بالسلطة .. سواء بطرق النسب او المصاهرة او حتى المسامرة مع الحكام فى النوادى الليلية ..
هكذا الطريق المركزى للثراء والحصول على الثروة ... من بطن السلطة ..
فأسماعيل المفتش صديق الخديوى اسماعيل وصديقه المقرب عندما حصرت ثروته بعد مقتله قدرت بحوالى 3ملايين جنيها .. ( واظن انها بالمعيار النقدى اليوم تساوى مليارات الجنيهات ) ...
لم يكن اسماعيل المفتش فقط نموذجا لتزاوج السلطة بالمال ... فقد انجبت سلطة الخيوى اسماعيل الثروة والثراء لرجال بعضهم اجانب وبعضهم متمصرين وبعض المرتبطين بهم من المصريين ...
فسوارس وقطاوى والبدراوى عاشور ورولو وشيكوريل وشعراوى , سراج الدين شاهين والشواربى .. كلهم أصبحوا فيما بعد اسماء والقابا لأكبر عائلات المال والسياسة والسلطة فى مصر ...
فعندما قدم الرأسماليون الاجانب الى مصر أغدق عليهم اسماعيل بالامتيازات والمنح والعطايا فكانت هنا بداية النشأة الفعلية للرأسمالية المصرية عبر الاجانب الذين تمصروا وان ارتبطت مصالحهم بدول المركز الرأسمالى الاوربى فى ذلك الوقت كذلك كان معهم شركائهم من المصريين ... وهذه النشأة الاجنبية قد أثرت الى حد كبير فى أحدى اهم خصائص الرأسمالية المصرية (غير ارتباط المال بالسلطة وبالتالى الفساد ..) وهى خصيصة التبعية الهيكلية للرأسمالية الاجنبية والتى لازمتها منذ هذا الوقت الى وقتنا هذا ..
شهدنا عبر قراءتنا للتاريخ كيف انجبت عائلات سوارس نوابا فى البرلمان بغرفتيه ووزراء هذه العائلة اليهودية السفاردية التى قدمت من اسبانيا واشترت 300 ألف فدان من اراضى الدائرة السنية وامتلكن الشركات والعقارات والبنوك وشاركتها عائلة رولو اليهودية السفاردية ايضا والقادمة من اوربا وكذا عائلة قطاوى الشهيرة وعائلات شيكوريل وعدس .. ( وصل يعقوب قطاوى احد افراد العائلة القطاوية الى منصب ناظر الخزانة فى عهد الخيوى عباس الاول واحد ابناء هذه العائلة وهو موسى قطاوى كان عضوا بالبرلمان وكذا فأن منهم يوسف اصلان قطاوى الذى اشترك مع طلعت حرب و شيكوريل فى تأسيس بنك مصر ... وكان يوسف قطاوى احد ابناء السلالة عضوا فى الوفد المصرى مع سعد زغلول باشا وكان وزيرا للمالية فى حكومة الوفد عام 1924 وعضو مجلس الشورى عن كو امبو وكانت زوجته اليس وصيفة للملكة فريدة زوجة الملك فاروق ) بينما كان روبير رولو ابن عائلة رولو مستشارا قانونيا للملك فؤاد الاول ومثال اخر للتزاوج بين السلطة والثروة هو يعقوب دى منسى الذى اصبح صراف الخيوى اسماعيل وشريك ليعقوب قطاوى فى الكثير من المؤسسات المالية والبنوك بل كان شريكا للخيوى اسماعيل نفسه فى بعض الاعمال المالية ..وتواصل التزاوج فكان فارتبطت شخصيات مثل اسماعيل صدقى رئيس وزراء مصر الاسبق واحمد زيوار باشا وزير الحربية وعدلى باشا يكن رئيس وزراء اسبق وحافظ عفيفى رئيس الديوان الملكى واحمد عبود باشا وابراهيم عبد الهادى .. كل هذه الشخصيات كانوا شركاء لدى ال قطاوى وسوارس ورولو .. ايضا كان محمد محمود باشا رئيس وزراء مصر هو ابن محمود سليمان باشا رئيس حزب الامه واغنى اغنياء مصر فى ذلك الوقت ..
وهذا مالاحظه شهدى عطيه الشافعى عندما كتب ( فى ظل الاستقلال الأسمى الذى فازت به مصر ظهرت نواة بارزة من كبار الماليين المصريين المتصلين أوثق اتصال بالشركات الاجنبية ورؤوس الاموال الاستعمارية .. اذ رأت هذه الشركات ان من الخير لها ان تعين بعض اعضاء مجالس الادارت من مستوزرين سابقين وبعض كبار الموظفين ليستخدموا جهاز الدولة فى خدمة هذه الشركات ,كما ان بعض أثرياء التجار المصريين امثال فرغلى وعلى امين يحيى رأوا ات من صالحهم التعاون مع رؤوس الاموال الاجنبية لتحقيق مزيد من الارباح برزت فئة جديدة شاركت كبار الملاك الحكم تحت سيطرة السراى والاستعمار ...)

وسيستمر هذا التزاوج طوال حكم الاسرة العلوية والى ان تأتى ثورة يوليو وتنهى هذا الوضع عبر قوانين الاصلاح الزراعى والتأميمات وتمصير الاقتصاد وخلافه من قرارات ..

الا ان الثورة المضادة كانت تعبر عن لم شمل فلول تلك الطبقات التى ضربتها ثورة يوليو والتى كان بعضها قد لجأ الى الخارج بأمواله الى جانب هؤلاء الذين لم يكونوا اشتراكيون فى سلطة تعلن ليل نهار انها نظامها اشتراكى قد استغلوا نفاذهم الى هذه السلطة ومواقع النفوذ مستغلين غياب الديمقراطية ومتخفين ومتظللين بغياب حق اصحاب المصالح الحقيقية فى الثورة فى الدفاع عنها وكشف الانتهازيين والوصوليين الذين كونوا ثروات عبر استغلال النفوذ وافساد القطاع العام فظهرت القطط السمان من لصوص القطاع العام الى جانب شتات الرأسماليين فى الخارج والمهربين وتجار المخدرات وللأسف انتصرت الثورة المضادة على يد السادات عندما اطلق مايسمى بسياسة الانفتاح الاقتصادى
وبدأت مرحلة اخرى من التزاوج بين المال والسلطة عبر تسلط وتحكم الفئات الرأسمالية الطفيلية فى المجتمع المصرى تحت ادارة السادات واختياراته التى اختلفت جذريا عن خيارات جمال عبد الناصر الذى لم يرتبط بأى حال من الاحوال بالثروة .. فقد مات ولم يورث لابنائه سوى المعاش الذى قرر من الدولة ووثيقة تأمين ب 2400 جنيه ...
اما السادات فقد ربط سلطته بقاعدتها الاجتماعية من الرأسماليين الذين جمع شملهم بعد تشتت .. بل انه حرص ان يقيم صلات عائلية ترتبط بين السلطة والثروة عبر مصاهرته للأغنياء الجدد سيد مرعى وعثمان احمد عثمان وهم من رموزالطبقة الجديدة وكذلك تمكينه لرجاله مثل رشاد عثمان امين الحزب الوطنى فى الاسكندرية ( والذى حامت حول نشأة ثروته وتعاظمها الشيهات ) وكذا رجله اشرف مروان وكثيرون ومن بينهم اخوته طلعت وعصمت السادات اللذان استغلا نفوذهما وقرابتهما للسادات فى النصب والتربح والتكسب على حساب ضحاياهم من الشعب المصرى ..
ربما تتطور التزاوج بين المال والسلطة فى فترة حكم مبارك وشهدت الظاهرة تمددا وافتضاحا نتيجة ماتلازم معها من تصاعد الفساد (بالرغم من انه بدأ عهده بشعارات حول مقاومة الفساد ) وكذا تكثف التبعية الشديدة للمركز الرأسمالى العالمى وزيادة التكيف الهيكلى بين الاقتصاد المصرى والاقتصاد الرأسمالى الذى يشهد ازمته الشديدة منذ عام 2008 ومانتج عن ذلك من ازدياد حالة الافقار وتعاظم البطالة بين الشباب وتشريد العمال وافقار الفلاحين من صغار الملاك وعمال الزراعيين وانضغاط الطبقة الوسطى اقتصاديا واجتماعيا وانسحاب الدولة بالكامل من اداء الخدمات الصحية والاجتماعية والاجهاز على ماتبقى من شركات القطاع العام ..
والتبعية للنهج النيوليبرالى الامريكى الذى ساد فكر رجال جمال مبارك فى لجنة السياسات وتعاظم نفوذ رجال مثل احمد عز وهشام طلعت مصطفى كنماذج متسلطة اجتماعيا وتعانى من انتفاخ بالسلطة والثروة فى ان واحد ..
الى غيره مما أدى الى انفجار الوضع فى 25 يناير واستحالة ان يستمر نظام مبارك ... واعتقد ان ذلك سينطبق ايضا على من سيأتى من الحكام طالما بقى النظام هو النظام وطالما بقيت الرأسمالية بخصائصها المصرية المبينة هى التى تحكم وتسيطر اجتماعيا واقتصاديا ..


--------------------------------------------------------------------------------------------------
مراجع
د. رفعت السعيد الاساس الاجتماعى للثورة العرابية
بنوك وبشوات ترجمة د. عبد العظيم انيس
متابعات فى الجرائد المصرية
كتاب قصة الثروة فى مصر ل د. ياسر ثابت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق