الأربعاء، 20 نوفمبر 2013

فى شأن مسألة الفريق السيسى


أحد الأوهام الشعبوية الكبرى التى تجتاح شارعنا السياسى والأجتماعى هذه الأيام هو مايقال حول حاجة الناس ( المصريون ) الى قائد وكما يقولون دائما يعبر بسفينة الوطن الى بر الأمان ... 
كما لو كانت قد تأججت رغبتنا القديمة الموروثة فى خلق أبطال على طراز الشخصيات التى ورثناها من حكاياتنا و سيرنا الشعبية كالشاطر حسن وعنتر بن شداد والظاهر بيبرس وابو زيد الهلالى وغيرهما .. تلك الشخصيات التى تأتى بالخوارق وتهزم الأعداء وتجيد الحيل للخروج بالقوم أو القبيلة من مآزقها وامتتحاناتها الصعبة وكذلك تمتلك القدرة على حل أعقد الألغاز التى تواجه الأهل والعشيرة أو القبيلة أو عموم الناس .. تلك الثقافة التى تشكلت فى وجداننا عبر مئات السنين عبر ثقافة انتاج البطل الشعبى التى تظهر عادة فى فى المجتمعات العربية نتيجة الموروثات القبلية العربية الوافدة الينا عبر الصحراء التى لاتعرف كتابة سير وحكايات الشعوب قدر معرفتها كتابة سير وحكايات البطل الفرد فارس القبيلة أو الخليفة أو الأمام أو شيخ القبيلة وهكذا ... 

تلك الطريقة فى التفكير هى أحدى طرق وأدوات تزييف الوعى الكبرى التى يراد للعامة ومحدودى الثقافة والعلم ان يكونوا دائما من ضحاياها فيقعوا على الدوام ضحية الوهم القائل ان التغيير الحقيقى والخروج من أى مأزق وحل أى معضلة يمر بها الوطن لايتأتى ولايقدر عليه الا شخصية فذة ( بطل ) و ( كاريزما ) وهكذا فالمطلوب هو ألا يؤمن غالبية الشعب ( وهم دائما من الطبقات المستغلة - بفتح الغين ) بأنهم يستطيعون - اذا ماانتظموا ووحدوا صفوفهم وامتلكوا التنظيم والأرادة والوعى - ان يكون لهم دورا فى تحديد مصائرهم وفرض السياسات وطريقة الحكم التى تحقق مصالحهم وبالتالى المصالح العليا لسائر الوطن ... 

وهذه هى نفس قصة أو السيرة المزمع تأليفها وتأكيدها واللف والدوران حولها هذه الأيام وتصديرها بأعتبارها الحل والملاذ لنا من مشاكلنا وأوجاعنا التى لم نقدر على علاجها عبر انتفاضتين عظيمتين ( 25يناير 2011 - 30 يونيو 2013) ... 

البعض من هواة صنع أبطال السير الشعبية على المنوال القديم ( عن تآمر أو عن خوف أو عن ضعف أو عن سوء نية أو عن حسن نية وسذاجة ) وجد ضالته فى الفريق السيسى .. وأصبح نهارا وليلا يردد معزوفة انه لاحل الا مع قدوم هذا الرجل رئيسا لمصر .. هكذا دونما ان يكون لهذا الرجل تعريفا سياسيا محددا أو أن يطرح ملمحا سياسيا يدل عليه 

وبغض النظر عن الدور الذى قام به فى الأستجابة لمطالب الشعب المصرى فى 30 يونيه والتحرك لاسقاط حكم الأخوان الفاشستى وبغض النظر أيضا عن الحساسية المفرطة لدى الكثيرين تجاه تولى منصب الرئاسة لكل من يمت بصلة للجيش وبغض النظر تلك الحالة التى تنتاب البعض ( وهى نموذج للوعى المزيف ) والتى تجعله لايفرق بين مرشح للرئاسة وآخر سوى على أساس الفارق بين أن هذا (عسكر ) وهذا (مدنى ) وبغض النظر عن المشروع السياسى لهذا المدنى أو هذا العسكرى ... وبغض النظر عن ان هذا ( المدنى ) يحمل فكرا مدنيا أم لا .. ويعتنق ترسيخ المدنية أم يسعى لشئ آخر غير المدنية .. 

ولأن البطل الآن قد وجد , وسيبدأ بعضنا قصائد المديح لفروسيته وقدرته على صنع المعجزات فلنحصر حديثنا فى بطل السيرة الجديد ... 

لم يتحدث بطل سيرتنا الجديد حديثا سياسيا حتى الان خارج حديث أن الأخوان خانوا العهد مع الشعب وأن الجيش انحاز لشرعية الشعب المصرى( وهذا صحيح تماما ) ثم تحدث بعد ذلك عن دور الجيش فى حماية الشرعية وارادة الشعب ( وهذا أيضا صحيح ) , ولكن كل تلك الأحاديث التى تتصف بالعمومية وطابع أحاديث العلاقات العامة ليست حديثا فى جوهر الشأن الوطنى باعتباره حديثا فى السلطة ( بالمعنى المجرد ) وعلاقة الجيش بها .. واظن أن ذلك ليس حديثا نشتم منه محدد ما للمشروع السياسى لهذا الرجل الشريف والشهم والشجاع ... 

لم نسمع منه حديثا حول رؤيته لتقليص التبعية للمركز لدول المركز الرأسمالى العالمى وذلك هو جوهر الأستقلال الوطنى , ولم نسمع منه حديثا حول اتساع الفوارق الطبقية فى المجتمع المصرى مابين طبقة فى أعلى السلم الأجتماعى مازالت تحتكر السلطة والثروة ( منذ السادات ومرورا بمبارك والأخوان المسلمين ) , ولم نسمع منه طريقة لمعالجة ذلك .. لم نسمع عنه كلاما عن الديمقراطية الشعبية الحقيقية ولم نسمع رأيه بوضوح فى الكيفية التى يجب ان تكون عليها دولة المواطنة أو مدنية الدولة ولم نسمع منه أى كلام حول استراتيجية التنمية فى مصر .... 

بصراحة لم نسمع منه شيئا يبرر تلك الأندفاعة التى بات البعض عليها ليلا ونهارا ونهارا وليلا يؤكدون انه لا خلاص الا بالسيسى ...

البعض يردد ذلك عن سذاجة والبعض عن عدم دراية عميقة والبعض عن شعور بالأحباط من النخب والبعض خوفا من وثوب الأخوان المسلمون الى السلطة وعن عدم ثقة (كما ينبغى ) بالشعب المصرى والبعض يردد ذلك نتيجة عدم الثقة بنفسه وبدوره فى الفعل السياسى .... ولكن الأخطر فى هؤلاء البعض الذين يسعون الى استعمال سيرة البطل الملهم والكارزما السياسية فى تكريس أوضاع اجتماعية وأقتصادية وسلطوية تحتفظ بمقتضاها الطبقات المسيطرة بالسلطة والثروة معا ... وألا لما من بين أبرز من طالبوا بترشح السيسى للرئاسة - بل ومن بين المبادرين بذلك - هم فى الحقيقة من ينتمون لتلك الطبقات من انصار مبارك والسادات سياسيا ومن المستفيدين من عصرهما ...

الفريق السيسى قد يصبح مثل حصان طروادة الذى يأمل الساداتيون وأبناؤهم المباركيون فى أن يحملهم معه فينقضوا من باطنه على مواقع السلطة السياسية ثانيا لصالح الحفاظ على سيطرة تحالف الرأسماليات المصرية على الأوضاع الأقتصادية والأجتماعية فى مصر وتفريغ انتفاضتى 25 يناير , 30 يونيو من محتواهما من مطالب شعبية نحو تغيير حقيقى للأوضاع الأقتصادية والأجتماعية والسياسية فى مصر ... 
بعض من الناصريين و اليساريين - للأسف - لديهم أوهام بأن السيسى سيكون شبيها لبعبد الناصر .. وهم اذن وقعوا فى فخ تلك الأوهام التى تروج - من قبل دوائر أعلامية وسياسية ( ومن كهنة ودراويش الدولة المصرية الهرمية التى يعتليها نموذج البطل الملهم ) - حول رجل لم يعرف عنه حتى الان انه صاحب مشروع سياسى وطنى ما ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق