الثلاثاء، 3 ديسمبر 2013

ماجرى بعد تنحى مبارك .. نموذج لاستبدال الرأس السياسى لنفس التحالف الطبقى المسيطر

تصريحات ياسر برهامى التى خلال الشهر الحالى  ( منتصف نوفمبر 2013 ) والتى نشرتها أكثر من جريدة مصرية نقلا عن المذاع على مواقع اليوتيوب الشهيرة والتى تضمنت حديثا جرى بينه وبين الفريق السيسى أيام كان مديرا للمخابرات الحربية ( وكان وقتها أحدث وأصغر رتبة فى المجلس العسكرى الذى تولى السلطة عقب تنحى الر ئيس مبارك فى فبراير 2011 .. وكان ذلك عشية أعلان فوز مرسى بالرئاسة والتى تمكن الأخوان المسلمون عبرها من القفز الى السلطة دونما منازع ودونما شريك على حساب الوضع الثورى الذى نشأ عقب 25 يناير وتنحى مبارك ووجود ذلك الفراغ الثورى الذى تمثل فى عدم وجود كتلة ثورية صلبة تمتلك مشروعا سياسيا لما بعد تنحى مبارك للاستيلاء الثورى على السلطة واعادة ادارة جهاز الدولة على نحو يحقق مصالح الغالبية المنسحقة التى شكلت الأساس البشرى للزخم الذى كان يملأ الميادين والشوارع منذ 25 يناير ومابعدها .. 

فى الحديث الذى جرى بين الفريق السيسى وبرهامى حسب رواية الأخير سأله الفريق السيسى حول الضمانات التى يمكن ان يقدمها ياسر برهامى كممثل للتيار السلفى عن ان مرسى سيلتزم باحداث استقرار اجهزة الدولة ( وطبعا هذا الأستقرار يعنى عدم احداث تغييرات هيكلية تقلب أوضاعا كانت قد استقرت العقود الماضية  ) ورد برهامى حسب تعبيره بأنه لايضمنهم ( أى الأخوان )  

وبالتالى حسب كلام برهامى فقد حدث اتفاق على صياغة مبادرة بضمان الدعوة السلفية وحزب النور ( ذراعها السياسى ) تضمن استقرار البلاد  وأن من يخالف شروطها تنزل باقى القوى ضده ( هذه القوى هى المجلس العسكرى - الأخوان - السلفيون )  

ووفقا لكلام برهامى فأن المبادرة التى حضرها أطراف عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة والدعوة السلفية وحزب النور والأخوان وحزبهم ( الحرية والعدالة ) ورءيس ووكلاء مجلس الشعب والمخابرات العامة والتى انتهت بالتعهد على ضمان عدم مساس الأخوان بجميع مؤسسات الدولة وتقديم تعهدات من الرئيس الجديد تفيد ذلك ..

 كل ذلك يعنى ببساطة ان هناك اتفاق حدث بين ثلاث قوى هى .. قوة الدولة (ممثلة فى المجلس العسكرى والمخابرات العامة - ذلك الجزء الوحيد من جهاز الدولة الذى كان لايزال متماسكا ومحتفظا بقوته القاهرة ) والقوة الثانية وهى الأخوان المسلمون الذين كانوا قد استعادوا حيويتهم وطموحاتهم فى المنافسة على الحكم كبديل سياسى له قاعدته الأجتماعية كجزء من التحالف الطبقى المسيطر منذ اواخر سبعينيات القرن الماضى وحتى اليوم ومن وجهة نظر الدوائر الغربية الأمريكية (يمثل بديلا يمينيا أكثر شعبوية من يمين مبارك الحاكم منذ عقود وقد اصابته الشيخوخة فى وقت تضرب أزمات الرأسمالية الأقتصادية بتأثيراتها المجتمعية منطقة الشرق الأوسط .. ولامناص - حسب فوكوياما - من مواجهة مأزق كراهية الشعوب لأنظمة اليمين الحاكم والتى نفذت فى نفس الوقت قدرتها على  الأحتواء وتزييف الوعى والظهور بمظهر ديمقراطى والأستغناء عن القهر البوليسى والقمع السياسى كطرقة للحفاظ على هيمنة تلك التحالفات الطبقية المرتبطة برباط من التبعية للمركز الرأسمالى العالمى ورأسه المتمثل فى الولايات المتحدة الأمريكية .. والحل اذن يكمن فى ذلك القسم من تلك التحالفات الطبقية وهو تيار الأسلام السياسى المتمثل فى الأخوان المسلمين وحلفائهم وهو التيار الذى مازال يحتفظ بقدرته الفائقة على تزييف الوعى والأيهام بالشعبوية السياسية واللعب على أوتار الديمقراطية وأختيارات الصناديق ... وجد الغرب اذن ضالته وقدرته على ابقاء وضع التبعية عن طريق هؤلاء )  

والقوة الثالثة التى كانت طرفا فى تلك الضمانات اذن كان السلفيون ..  

وما لم يقله برهامى ان هناك قوة أعظم لم تكن بعيدة عن تلك الترتيبات وهى الولايات المتحدة الأمريكية وأى متابع للشئون المصرية منذ اتفاقية السلام الاسرائلية المصرية الأمريكية يعرف ان ترتيبات نقل أى سلطة سياسية لابد وأن تتم برعاية واشنطن ولابد ان تكون واشنطن على خط الاتصال اللازم لذلك .. 

الغنائم السلطوية اذن توزعت على الأطراف الثلاث برعاية ومباركة أمريكية ( لاتحتاج لأدلة تقام لتأكيدها ) بحيث يحتفظ المجلس العسكرى بوضعه الخاص فى السلطة السياسية يتوائم مع وضع خاص للجيش المصرى داخل جهاز الدولة يتضمن احتفاظه بملفاته الخاصة ( كشأن خاص بعيد عن الأشراف والمتابعة أوالتدخل من السلطة السياسية ) وعلى رأس هذه الملفات الميزانية والتسلح والمشروعات الأقتصادية التى يمتلكها الجيش وعلى الجانب الآخر يتولى الأخوان السلطة السياسية مع التعهد بعدم المساس بأجهزة الدولة وان يحصل السلفيون على نصيبهم من النفوذ عبر المشاركة فى التنافس على أغلبية البرلمان والمشاركة فى الوزارات ومؤسسة الرئاسة وماسيستتبع ذلك من سلطات ونفوذ فى المحافظات المختلفة 

 جوهر هذا الأتفاق اذن كان الأحتفاظ على النظام الاجتماعى والأقتصادى دون تغيير .. كماهو .. وبالتالى يتم استبدال الرأس السياسى للسلطة السياسية برأس سياسية ( كانت تتنافس معها فى الماضى - وتتناحر أحيانا - من أجل الفوز بتمثيل هذا التحالف الطبقى المسيطر منذ أواسط سبعينيات القرن الماضى ) ويبدوا ان هذا هو المقصود فى كلمات برهامى من دلالات لكلمة ( استقرار البلاد ) والتى كان يرددها طوال حديثه عن ذلك الأتفاق الذى انقلب عليه الأخوان المسلمون فيمابعد بنزوعهم نحو أفكار التمكين والتحالف مع جماعات تهدد الأمن القومى المصرى ( القاعدة وتنظيم فتح الأسلام و كتائب القسام فى سيناء )  

 ياسر برهامى والسيسى والأخوان ومرسى ومن قبلهم مبارك والسادات وحزبهم (الحزب الوطنى المنحل )  استخدموا كلمة ( استقرار البلاد ) وهى الكلمة التى كان مرادا للبسطاء ان يبتلعونها , وأن تلوذ بها طبقات البرجوازية الصغيرة من خوف ... هى الكلمة التى  تستخدم دائما للعب على مشاعر المروعين من الأحداث ومطالب التغيير الشعبية .. على اعتبار ان استقرار البلاد يعنى استقرار العباد والهدوء والسكينة والتوقف عن الصخب والأعلاء من شأن وهم السلام الاجتماعى فى ظل استقرار سيطرة نفس التحالف الطبقى الحاكم وان تغيرت الوجوه والأشكال السياسية .

 لم نكن فى حاجة للتأكد من أن هناك صفقة واتفاق بين المجلس العسكرى وبين الأخوان وحلفائهم لصياغة حكم جديد للبلاد بعد تنحى مبارك ... فقط يجب علينا ألا ننسى  - ومنذ عقد معاهدة السلام مع الكيان الصهيونى بمباركة وترتيب أمريكى ضامن - ان الأوضاع السياسية فى مصر قد أصبحت من وقتها شأنا أمريكيا ( وأحيانا اسرائيليا ) وأصبح تنظيم المرور السياسى والأجتماعى فى مصر لايمر الا وكانت واشنطن على الخط  بحكم التبعية التى كرست لها سلطة السادات المعبرة سياسيا عن تحالف الطبقات الرأسمالية التابعة (كوكيلة فى جوهرها ) للمركز الرأسمالى العالمى  

وبالتالى فان الجيش المصرى - منذ وقتها - قد وضع تحت قيود تلك الاتفاقيات بملاحقها المتعددة ( السرية أو العلنية ) وأصبح تسليحه وتدريبه يخضع لاعتبارات تلك المعاهدات التى أبرمت تحت هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية والتى تضمن أمن اسرائيل ضمن ماتضمن بالدرجة الأولى  , ولايجب أن ننسى أن الأنف الأمريكية كانت توضع فى الأستراتيجيات العسكرية للجيش المصرى (عبر مناورات النجم الساطع سنويا ) , بل ووصل الأمر بأن درجت الولايات المتحدة الأمريكية على المطالبة بتغيير العقيدة القتالية للجيش المصرى على أعتبار ان العدو لم يعد هو اسرائيل ( على الحدود ) بل ان استرتيجيات الحرب اصبحت مرتبطة بالحرب على الأرهاب ( الأرهاب التى تحدده أمريكا دائما وفقا لمستجدات مصالحها ) وعلى الجيش المصرى ان يتخلى عن التدريب والتسلح وفقا لحروب الصحراء عليه ان يتدرب فقط فى مواجه الأضطرابات الداخلية ومطاردة العناصر الأرهابية وخلافه ...

 المجلس العسكرى والأخوان والسلفيون كنوا يعرفون ذلك جيدا وكانت اتصالات الأخوان  المباشرة مع الأمريكان قد بدأت منذ عام 2004 والمجلس العسكرى منذ مقتل السادات يمتلك مايشبه قنوات الأتصال المفتوحة الخدمة طوال الوقت مع الامريكان ..

اذن لم يكن أحد الأطراف التى تضمنها حديث برهامى يتحرك بعيدا أو باستقلالية عن واشنطن ... وكما تمت  عملية استبدال الرأس السياسية للتحالف الطبقى المسيطر - عقب اغتيال السادات - تحت سقف جهاز الدولة المركزية بمتابعة ومراقبة واشنطن .. تمت عملية الأستبدال السياسى للرأس السياسية لنفس التحالف الطبقى تحت سقف جهاز الدولة المركزية  وبمباركة ومتابعة وأشراف أمريكى 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق