السبت، 16 نوفمبر 2013

عندما كانت الحكمة تنطق من صيحات حواة الشوارع

(( موسى نبى , وعيسى نبى , ومحمد نبى ... وكل من له نبى يصلى عليه )) ... كنت دائما أسمع ذلك الرجل البائس المنسحق الذى يتحايل على لقمة عيشه عبر ذلك الأستعراض الذى يقوم به وسط حلقة من الناس ( المتفرجين ) وهو يقوم بألعاب قد لاتقنع البعض من حيث المهارة المتوقعة فى هذا البائس .. وقديرى البعض فى ذلك لونا من ألوان النصب والأحتيال فينصرف متأنفا من هذا المشهد أو يعبره دون التفات ... وقد يرى البعض وخصوصا الصبية ذوى الأعين والرؤوس البكر ان هذا الرجل يمتلك نوعا من القدرات الخارقة كما يدعى هو عندما يردد ويتوعد (( بعون الله هاأعمل كذا )) ... دائما كنت أرى فى ذلك المشهد أنه احدى طرائق المنسحقين للبحث عن الرزق والتحايل علي جلب القليل منه .. ماعلينا .. ليس هذا هو المهم ... المهم هو أن الرجل البسيط قائل العبارة التى يفتتح بها عمله دائما ( فى أول سطر ) هو فى الحقيقة أكثر من بعض من يدعون التدين فهما للدين بل وصل الى جوهر التدين دونما لف ودوران ... وبعمق لم يصل له فهم أشد مدعى الحفاظ على الدين ونصرته من أولئك الكقرة من العلمانيين والليبرالين واليساريين وغيرهم .. هو قد نطق بالفهم الصحيح للتدين أكثر من هؤلاء الساعين الى تنصيب أنفسهم حكاما بتوكيل من الله ..وهو نطق بمعرفة أكثر تفقها من هؤلاء الذين يملأون الشاشات الدينية وغير الدينية بفتاواهم التى ما أنزل الله بها من سلطان ... 

ادركت فيما بعد كلما استرجعت تلك العبارة السحرية التى ينطق بها أمثال ذلك الرجل البسيط - والذى ربما كان لايعرف القراءة أو الكتابة - انه كان لاينطق هذه العبارة ألا كمخزون ذاتى تكون عبر تراكم حضارى تاريخى داخل المصريين وهو ماجعلهم متحصنين ضد ثقافة التطرف الدينى والفكر الصحراوى البدوى وان بدوا  فى بعض الأحيان تاريخيا ذاهبون الى الأنجراف فى غياهب هذا الفكر  الا انهم سرعان ماينتفضون ضده ويخلعونه كماتخلع الثياب غير اللائقة ... 

 دائما أدرك مدى ماتعبر عنه تلك العبارة من سماحة ورؤية أكثر اتساعا للأديان والتدين بل أتزيد وأقول انهم ( أى  هذا الرجل وأمثاله من المصريين الذين نطقوا بوعى أو دون وعى بهذه العبارة ) قد نطقوا  بحقيقة أكثر علمانية من فهم بعض العلمانيين للعلمانية ..تعرفون لماذا ؟ ..لأنه نطق كأنسان مصرى بالمخزون الذى يعبر عن حضارة ورقى هذا الأنسان عبر الاف السنين ... ربما لم يتعمد أو يدرى بمانطق به .. ولكنه عبر عن الرؤية المصرية الحقيقية للتدين والدين  عبر مئات بل والاف السنين ..  وأن هناك درسا مهما علينا جميعا ان نستوعبه وهو ان المصريين عبر تاريخهم -  وقد ترسخ داخلهم مخزونا حضاريا يرفض التطرف بكافة أشكاله وأنواعه ومظاهره وهو ماأتضح فى خروج ملايين المصريين فى 30 يونيو 2013 ضد حكم الأخوان المسلمين وحلفائهم بعد ان عرفوا حقيقة نواياهم فى الذهاب بالوطن الى غياهب وطرق فى الحكم والثقافة والسلوك الأجتماعى لاتصلح ألا للمجتمعات الصحراوية البدائية ولاتليق ببلد عريق كمصر .. 

المصريين هم أيضا الذين ترفض ثقافتهم ومخزونهم الحضارى أى شكل من أشكال الأزدراء للأديان وأنهم بأعتبارهم الشعب الذى عرف الدين قبل كل شعوب العالم وابتدعه وكان أحد أعمدة دولته التى تأسست فى فجر التاريخ الأنسانى كأول دولة ذات حكم مركزى فى العالم ترتكز على ذلك البناء الهرمى الذى يقف على قمته ( الحاكم الفرعون بأعتباره هو أبن الأله )  

وكذلك كان لهم النصيب الأوفر فى تأسيس كل الديانات السماوية الثلاث التى عرفتها المنطقة فالديانة اليهودية قد ظهرت فى مصر وكذلك فمصر هى التى احتضنت المسيح والأسرة المقدسة فى رحلتها الشهيرة فى غرة القرن الميلادى الأول وهى التى اسهمت بشكل رئيسى فى تحديد مسار الديانة المسيحية عندما قدمت للعلم المسيحى فكرة الرهبنة بل هى التى تمردت كنيستها على كنيسة العالم الرومانى القديم وتأسست بذلك الكنيسة الشرقية وظهر للعالم المذهب الأرثوذوكسى الذى ساد كنائس النصف الشرقى من كنائس العالم .. ولم ينكر أحد تأثير الحضارة الفرعونية على الديانات السماوية ومنها الأسلام .. بل ان مصر قد شهدت انقاذ العالم الأسلامى من السقوط على ايدى التتار الذين اجتاحوا كل العالم الأسلامى وأسقطوا عاصمة الخلافة العباسية فى بغداد وأحرقوا مكتبتها ولم يتم صدهم الا على أبواب مصر .. التى كانت قد أحتضنت آل البيت بعد محنتهم مع بنى أمية واحتضنت أرضها رفاتهم التى مازال المصريون البسطاء يزورونها ويتبركون بأضرحتها ويجتمعون فى ساحات تلك الأضرحة فى المناسبات الدينية المختلفة ....  

الدين كان له دائما مكانته سواء كانت مصر فرعونية تعبد الاله رع أو الآله آمون أوآتون .. وسواء كانت مصر فى العصر القبطى أو الأسلامى .. ولكن هذا لايعنى انهم يقبلون ان يمضون كالقطيع فى ركاب الفهم الصحراوى البدوى البدائى للأسلام والأديان .. فمخزونهم الحضارى أرقى من ذلك ... يالا عبقرية الشخصية المصرية .. يبقى ان يعى الشباب المصرى المعاصر ذلك جيدا ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق