الأربعاء، 4 ديسمبر 2013

أحمد فؤاد نجم .. نبل فى منتهى الشراسة

احمد فؤاد نجم (على اليمين ) مع صاحب المدونة عام 1981

فى النصف الثانى من السبعينيات كنا فى سن الصبا , وكان فيلم( العصفور ) ليوسف شاهين قد تم انتاجه وعرض لمدة أيام فى السنما ثم منع لأسباب سلطوية .. فعرفنا نحن الصبية تلاميذ المدارس الثانوية أغنية ( مصر ياامه يابهيه )  ووقعنا على أكتشاف تاريخى هائل لدرجة انه قد أثر فى مصائرنا وأفكارنا تأثيرا لايستطيع أحد منا حتى الآن انكاره .. 

عرفنا ان هناك غناء آخر لضفة أخرى غير الضفة التى يسكنها مريدى  النحيب العاطفى الذى ساد الغناء بعد يوليو وغير ضفة مريدى أغانى الحشاشين  والمهربين والمغامرين الجدد بعد بدأ سياسة الأنفتاح الأقتصادى والتى أسست لمايسمى خطأ اليوم ب (الشعبى )  

انه الغناء الذى يحمل هموم الوطن والفقراء ويدوس على دمامله وجروحه بأقصى مايمكن من وضوح فى مواجهة أقسى مايمكن من قمع ... 

غناء جديد على ضفة الأحساس الأنسانى الوطنى الصادق والذى يحمل فى جوهره هما طبقيا يسعى الى تحرر حقيقى للوطن ... عرفنا الشيخ أمام ومعه أحمد فؤاد نجم ... ولانستطيع حتى الآن ان نفك ارتباط أسم أحدهما بالآخر  

 ( فات عليكى ليل وميه ... 

 وأحتمالك هوه هوه ...

  وابتسامتك هيه هيه ...  

تتطلع الشمس تلاقيكى 

 معجبانيه وصبيه 

 مصر يامه يابهيه ) 

ومن يومها أصبحت تلك الأغنية وتلك الكلمات - ولسنوات - هى نشيد وجداننا وصوتنا الجماعى حين نلتقى فى أمسيات ليل المرحلة الساداتية التى شهدت قهرا عنيفا ليس فقط لليسار وأنما لكل من يصل الى حقيقة أن حرية الوطن لم تعد علما مرفرفا وحدودا ذات أسلاكا شائكة ومقعد فى الأمم المحدة فقط وأنما يعنى مقاومة مخططات التبعية للمركز الرأسمالى العالمى  والتى فضحتها توجهات السادات نحو عقد اتفاقيات سلام مع العدو الصهيونى  

أصبحت أنا ومن هم على شاكلتى فى مدينتنا الصغيرة - حينها - مجذوبين بتلك الأغنية التى عبرت عن وجداننا الذى كان يتشكل عبر جروح الوطن ومعاناة فقراءه ومظلوميه اجتماعيا .. كان البعض يميزنا بأننا (( الشله بتاعة مصر يامه يابهية )) ,

وبدأنا نرتحل وراء أغاني الشيخ أمام ونجم - كمريدين لهما - وتواصلنا مع ((جيفارا مات )) التى أججت جروحنا الثورية التى نجمت عن انكسارات حركات التحرر الوطنى العالمية والتى بدأت فى تظهر فى السبعينيات مع التحولات التى جرت فى بلادنا فقد بدأ تساقط انظمة التحرر الوطنى فى أفريقيا بعد سقوط (لومومبا ونكروما )  وسقط فى أمريكا اللاتينية سلفادور الليندى فى تشيلى برصاص عملاء المخابرات المركزية الأمريكية وبتدبيرها المعلن  , كان كل ذلك يفتح نزيف جيفارا - الذى لم نكن وعينا بعد على مشهد مصرعه وكان نجم يوقظ فينا هو الشيخ أمام هذا الحدث كما لوكان يحدث فقط عندما نسمعهم يقولون (( آخر خبر فى الرديوهات ... جيفارا مات )) .. 

مع تنامى وعينا والتحامنا بالنضال اليومى ... وكان منا من أكتفى بسماع نجم والشيخ أمام وأكتفى بالتفاخر بإقتناء شرائطهما التى كانت تهرب باعتبارها مواد محظورة ( كم هى سعيدة تلك الأجيال الحالية والقادمة لأنها توفرت لديها فرصة سماع نجم والشيخ أمام بلا عناء ولا أجراءات تأمين لمكان الأستماع ولاحظر لتلك الأغانى فى المسموعات والمرئيات والرقميات )  

 ونحن ذاهبون الى أداء مهمة أو اجتماع ,أو مؤتمر محاصر لفضح النظام نردد كلمات نجم على وقع خطونا   ((الجبان جبان والجدع جدع )) , وعندما ضيق السادات علينا كل شئ وسجن الرفيقين أمام ونجم .. سرب لنا ( الفاجومى ) كما أطلق عليه صلاح عيسى هذا اللقب قصيدته التى كانت مسامرتنا فى ليل السادات الحالك ((  هنا شقلبان ))  يالا هذه العبقرية الم يكن السادات تعبيرا حقيقيا عن حالة (الشقلبة ) التى ضربت مصر والمنطقة العربية ؟ , 

 وعندما كنا نقول ان التوجه الى التبعية هو أختيار طبقى فى الأساس كان صوت الشيخ أمام يأتينا بكلمات نجم (( عن موضوع الفول واللحمه  

صرح مصدر غير مسئول ..  ))

 ثم (( إحنا مين هما مين )) 

واستمر الثنائى فى إعطاء خطواتنا ايقاعها ... واستقرا داخل وجدان جيلنا والجيلان اللذان سبقانا ( جيل أحمد بهاء شعبان و زين العابدين فؤاد كمال خليل والمرحوم عبدالله رزه وصلاح عدلى وعبد المجيد أحمد والمرحوم عبد المجيد الشيخ  وغيرهم من جيل شباب طلاب  68 العظيم  ) , جيل (حمدين صباحى  وسيد عبد العال وهانى الحسينى واحمد سيد حسن ونبيل عتريس ومحمد فرج والهامى الميرغنى وحلمى سالم  ومجدى شرابيه ومحمد سعيد والمرحوم هانى عمار وكمال ابو عيطه وزهدى الشامى وغيرهم من جيل السبعينيات  ممن يحتاجون لصفحات لذكرهم جميعا  )  

الى جيلنا -  جيل الثمانينيات كما يطلقون عليه -  من أمثال ( مصطفى الخولى وتوحيد البنهاوى واحمد نصار ونبيل رشوان والمرحوم خالد عيد ومحمود قباوه وخالد الصاوى وغيرهم  ممن يطول المجال لتعداد أسمائهم

لم أكن أصدق نفسى عندما كنت أرى وجها لوجه الشيخ أمام وأحمد فؤاد نجم فى المؤتمرات والأمسيات التى كان ينظمها حزب التجمع ويشاركان فيها ..

تعرفت على أحمد فؤاد نجم شخصيا فى أوائل الثمانينيات كم كان شخصية جميلة ولكنه كان مؤلما فى وضوحه لدرجة الشراسة ( لذلك كان نظام السادات يعامله كما لوكان له خطورة التنظيم المسلح .. فدائما ماكان مصوغ اتهامه فى كل قضية هو العمل على قلب نظام الحكم بالقوة )  كنت اندهش .. كيف يأت الجمال والرقى من هذه الشراسة والوضوح الذى لايحتفظ بأى غلاف لغوى للمعنى ولا بأى حاجة للتأويل أو القراءة المتعددة الدلالات كماتعودنا ان نرى الجمال ؟ وصلت وقتها لنتيجة انها هى .. خلطة نجم العجيبة .. رجل يصل فى وضوحه لأقصى حدود الشراسة وفى نفس الوقت يتفجر النبل من عينيه حتى وهو يبصق على مصاصى دماء الشعب ويصفهم بكلمات لاتتسع للحياء ولامجال فيها للخجل    .. يومها اقتنعت ان الجمال الأنسانى ينبغى أحيانا أن يكون شرسا وقويا .. وفادح الوضوح إذا ماأقترن بالنبل الأنسانى ... هكذا كانت عبقرية  أحمد فؤاد نجم الخاصة به هو لاغيره .. فقد صنع قانونه الخاص

... سنلتقى دائما فى أعمق مكان فى قلب الذاكرة  ياأنبل أعمامنا وابائنا واساتذتنا العظام فأنت جزء من ذاكرتنا الوطنية خالدا فيها ...


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق